الأول من أيار: مهن تنقرض وعمّال بلا حقوق

 

جاء في "الأخبار":

«كل شي عحسابنا» بهذه العبارة يختصر عمّال توصيل الطلبات، أو «الديليفري»، معاناتهم. أمام المطاعم ينتظرون على دراجاتهم النارية صدور «الطلبيات» لإيصالها إلى أصحابها، كمن ينتظر الفرج. يعمل هؤلاء من دون معاش ثابت، ولا ساعات عمل محدّدة، ويتقاضون على التوصيلة الواحدة، التي تحدّد ثمنها الشركة المشغّلة، تقريباً ما يساوي نصف دولار أميركي. وتتغيّر التسعيرة بحسب قرب المنطقة من مكان ركن دراجاتهم، وتزداد كلما ابتعد العامل عن مكان سكن الزبون.

رواتب لا تكفي

ما إن تسأل العمال عن ظروف عملهم حتى تنهال عليك الشكاوى من سوء أوضاعهم المعيشية والوظيفية. فما يجمعونه شهرياً يُراوح بين 8 ملايين و12 مليون ليرة لبنانية -ما يقارب اليوم الـ100 دولار- وهو يعتمد على عدد التوصيلات التي يقومون بها خلال الشهر. «احسمي منها 7 ملايين ليرة لبنانية بدل تعبئة البنزين الذي نحتاجه للعمل»، يقول أحدهم ساخراً، إذ لا تغطي الشركة التي تكلّفهم بمهام التوصيل، كلفة تعبئة الوقود. حتى الإنترنت الذي يستخدمه العامل لتشغيل الـGPS، أي لاتّباع خريطة الوصول إلى الزبون وكذلك للتواصل معه، يدفعه من راتبه الشهري ولا تغطيه الشركة. وبحساب بسيط يحتاج العامل لباقة الـ20 جيغا التي بات ثمنها يفوق المليون ألف ليرة. ويشكو آخر من توقيت العمل «بعد الساعة الثامنة مساءً لا نستطيع أن نوصل طلبية لأمكنة بعيدة بسبب عمليات النشل الذي قد نتعرّض لها». ويكشف عدد من العمّال أنّهم حاولوا مراراً المطالبة بزيادة على سعر التوصيلة، «فتتجاوب الشركة لمدة ثلاثة أيام فقط ليسكتوننا، ثم تعود إلى نهجها السابق».

صناعة الأحذية: من العزّ إلى الانقراض

«أعمل كلّ أيام السّنة من دون كلل، أو إجازات. لا تعنيني الأعياد باستثناء الأول من أيار، هذا عيدي السّياسي والشخصي، ويوم إجازتي الوحيد، الذي لا أقبل إلّا أن أقضيه في التظاهرات العمّالية، والتي لم أغب عنها يوماً منذ كان عمري 10 سنوات عام 1970» يقول مصمّم الأحذية، أو ما يُعرف بـ«الموديليست» إبراهيم بزي. يتكلّم عن الأول من أيّار بكثير من العزة، إذ يعتبر كلّ ما عنده ثمرة نضالات من سبقوه. يعدّد المكتسبات «الضمان الاجتماعي، ساعات العمل الثماني والإجازات»، وينسبها إلى «دم عمال سُفك في الشوارع للوصول إلى تحقيقها، ولو تُركت الدولة وحدها لما تأسّس شيء». لم تنجح السّنوات الخمسون التي قضاها بزي في معامل الأحذية في كسر إرادته العمّالية النقابية، بل رسمت خرائط في جسده، من جروح تسبّبت بها سكّين الجلد، أو حروق جرّاء حوادث العمل.

المهنة تنقرض

يعرف بزي معظم أصحاب المعامل. يعدّدهم، ويسمّي مؤسّساتهم التي أقفلتها، وتقفلها الأزمات تباعاً. يأسف على المهنة التي تتجه نحو «الانقراض التام، فمعدّل أعمار العاملين اللبنانيين فيها يتخطّى الـ55 سنة، ولم تدخل الأزمة الاقتصادية أيّ دم جديد إليها، بل على العكس تماماً، تسحب اليد العاملة السّورية حتى، إذ يجد هؤلاء فرص عمل أفضل في تركيا». يتساءل هو وزملاؤه عن «هويّة العامل الأخير بينهم، الذي سيتولّى إقفال المعمل، وأخذ المفتاح معه، قبل المغادرة وإنهاء وجود المصلحة».

خلال المرحلة الذهبية للصناعة، «كان النّاس يتنافسون على إرسال أبنائهم للعمل في مشاغل الأحذية، ونرفض ترفاً أعداداً كبيرةً منهم» يقول أحد «المعلّمين». الشّباب الجديد كان يتدرّج ويتخصّص تحت إشراف المعلّمين في أقسام المعمل، من «المفصّل المسؤول عن قصّ الجلد، والمكنجي أو خيّاط الجلود، إلى «الكندرجي» الذي يقوم بتركيبها على القوالب الخشبية، وطارح النعل المعنيّ بخياطة ولصق النعال، وصولاً إلى عامل «الفينش»، أو التصفية، المسؤول عن اللمسات الأخيرة، وإزالة أيّ شوائب»، ليحمل لاحقاً لقب «معلّم».

المصدر : الاخبار

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...