"عبء ثقيل" تُحمّله 2022 إلى الـ 2023... العين على صندوق النقد والتنقيب!

أورثت الـ 2021 خليفتها الـ 2022 أزمةً إقتصاديةً حادة تفاقمت أكثر فأكثر على امتداد العام، وسط عجزٍ تام عن اجتراح الحلول وتباطؤٍ متعمّد في إقرار إصلاحات من شأنها أن تسهّل الإتفاق مع البنك الدولي، ما يؤشر إلى أن العام المقبل سيرزح تحت عبءٍ كبير، فهل تحصل المعجزة ويبدأ لبنان بالتعافي الإقتصادي؟

إنكمش الإقتصاد اللبناني بأكثر من 40% منذ 2018، فيما سجّل التضخم رقماً من 3 خانات، في حين أن احتياطات العملات الأجنبية آخذة في الإنخفاض، وسعر الصرف الموازي وصل إلى 48 ألف ليرة لكل دولار، وفقدت الليرة 56 بالمئة من سعرها أول العام.

ولتفاقم الأزمة أسبابه، لا سيّما مع رفع الدعم عن جميع السلع المدعومة، مع الإبقاء على بعض الدعم الجزئي على بعض الأدوية، وتوقّف العمل بـ"السلّة الغذائية" المدعومة، وأصبحت أسعار السلع خيالية. ووصلت صفيحة البنزين مثلاً إلى حوالي 750 ألف ليرة، والمازوت إلى حوالي 850 ألف ليرة، وقارورة الغاز إلى حوالي 500 ألف ليرة. ومع رفع الدعم عن الخبز وجميع مكوّناته، وصل سعر ربطة الخبز إلى حوالي 18 ألف ليرة في الفرن.

وكانت الحكومة بدأت أواخر كانون الثاني مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي، ووقعت اتفاق إطار بين الطرفين على مستوى الخبراء في أيار، حول برنامج الدعم الخاص للتعافي من الأزمة التي يتخبّط فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ولمواكبة شروط صندوق النقد، أقرّ المجلس النيابي قوانين رفع السرية المصرفية الذي جرى الطعن به أمام المجلس الدستوري، والذي اقترح جملة تعديلات عليه، كما أقرّ موازنة 2022 والذي جرى الطعن به أيضاً أمام المجلس الدستوري الذي لم يوقف العمل بمفاعيل الموازنة، على أن يبتّ بالطعن خلال شهر لم تنتهِ هذه المهلة، وبالتالي رُحِّل البتّ إلى العام الجديد.

وللمرة الأولى، جرى إقرار تغيير سعر الصرف من 1500 إلى 15000 ليرة. وأعلنت وزارة المال أنّه "كخطوة أولى باتجاه توحيد سعر الصرف تدريجياً، تمّ الاتّفاق بين وزارة المال والمصرف المركزي على اعتماد سعر 15000 ليرة لبنانية مقابل كل دولار أميركي"، وأُقرّ هذا القرار في قانون موازنة 2022، على أن يُطبَّق إعتباراً من أول تشرين الثاني 2022.
كذلك، أقرّت موازنة 2022 الدولار الجمركي الذي رسا على سعر 15 ألف ليرة، وهي ضريبة أُقرّت لتمويل رواتب القطاع العام لزيادتها 3 أضعاف، وفق خبراء اقتصاديين.

وأقرّت الحكومة في أيار 2022 في آخر جلساتها، رفع تعرفة شركتي الإتصالات "ألفا" و"تاتش" عبر قسمة الفاتورة الأساسية على 3.3 ولاحقاً ضربها بسعر دولار "صيرفة"، إبتداءً من شهر تموز. وزادت تعرفة إنترنت "أوجيرو" بنسبة متفاوتة حسب الخدمات، لكن كمعدّل وسطي ارتفعت حوالي 230 في المئة.

وارتفعت أسعار بطاقات التشريج المسبقة الدفع وفواتير الخليوي خمسة أضعاف، ورُبط سعرها بسعر منصة "صيرفة" حيث قفزت أسعارها أكثر من مرة، ولا سيّما مع نهاية العام بعد رفع سعر دولار صيرفة إلى 38 ألفاً.

وبنتيجة الأزمة، انقطعت الكهرباء لأيام كثيرة، وفُرض برنامج تقنين قاسٍ من ساعة أو ساعتين يومياً كحدٍ أقصى، بعد فشل استجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن بحجة قانون "قيصر" المفروض على سوريا، والذي يمنع استجرار الكهرباء عبرها.

كما أن مصرف لبنان رفع الدعم كلياً عن الكهرباء، مما أدى إلى نقص حاد في مادة الفيول أويل التي جرى تأمين قسم منها من العراق بوساطة مدير عام الأمن العام عباس ابراهيم.

وأقدمت شركة كهرباء لبنان بعد مناكفات وسجالات إلى رفع تعرفة الكهرباء وللمرة الأولى منذ التسعينيات، ورفعت تسعيرة كيلواط الكهرباء من سنتاً واحداً إلى 10 سنتات أميركية للكيلوواط / ساعة لأول 100 كيلوواط / ساعة مستهلكة، على أن يتمّ تسعير كل كيلوواط / ساعة بقيمة 27 سنتاً للإستهلاك فوق ذلك. وسيتمّ احتساب تكاليف الكهرباء بالليرة اللبنانية، بسعر الصرف الذي تحدّده منصة "صيرفة" للبنك المركزي البالغ اليوم 30 ألف ليرة لكل دولار واحد.

وقبل أن يقفل العام، إشتدت السجالات بين وزير الطاقة ومصرف لبنان حول تأمين الدعم لاستيراد الفيول، والذي وعد المسؤولون الشعب اللبناني بكهرباء تصل إلى 8 ساعات يومياً لتتقلص إلى أربع ساعات، وربما أقل مع بداية العام.

وارتدّت أزمة الكهرباء سلباً على موضوع المياه، فشهد لبنان "خزان المياه كما كان يطلق عليه"، أزمة مياه حادة وانقطاع للمياه عن البيوت والقرى، وشحّ إستوجب نداءات من البلديات لترشيد استهلاك المياه.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فكان لظهور الأوبئة من الكوليرا إلى اليرقان ليزيد من أزمة المياه الصالحة للشرب والإستهلاك.

ولن ينسى اللبنانيون أبداً طوابير الذلّ أمام الأفران مع فقدان مادة الطحين بفعل تهريب الطحين المدعوم، والتي استمرت فترة طويلة، ووصل سعر ربطة الخبز الذي كان بحدود الـ 1500 ليرة إلى 18 ألف ليرة. إلاّ أن تأمين الدعم للطحين من البنك الدولي أدى إلى استقرار السعر لحوالي 9 أشهر، ممّا ينذر بأزمة متجدّدة في العام المقبل إن لم يتمكن المعنيون من إيجاد حلٍ جذري لها.

وبالطبع كان لموضوع النفايات حيّزاً بارزاً من الأزمة الإقتصادية، لا سيّما مع توقف الشركات المتعهدة عدة مرات، وفي كثير من المناطق اللبنانية، عن جمع النفايات ومعالجتها، وكما العادة جرت محاولات ترقيعية للأزمة التي قد تنفجر أيضاً في العام 2023.

وكان لرفع الدعم عن معظم الأدوية أثره السلبي على الأسعار، حيث أصبحت شريحة كبيرة من المرضى عاجزة عن تأمينه، أما الأدوية السرطانية والمزمنة، والتي بقي دعمها مقبولاً، فشهدت إنقطاعاً من الأسواق دفع ببعض الناس إلى شراء الدواء المهرّب، والذي أدى إلى دخول أدوية ملوّثة أو مزوّرة أثرت على المرضى وأودت بحياة بعضهم.

واستفحلت الأوبئة الآتية عبر الحدود البرية مثل الكوليرا، وتسببت بوفاة أكثر من 23 شخصاً قبل استقدام اللقاحات الخاصة بهذا الوباء.

ولا بد من الإشارة إلى تقرير البنك الدولي الشهر الماضي، الذي أكد أن الخسائر المالية التي يعاني منها إقتصاد لبنان وماليته العامة، تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021.

وذكر البنك في تقرير نشره أمس الأربعاء، أن إجمالي الخسائر المالية للبلاد وصل إلى 72 مليار دولار، داعياً إلى ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي المحلي.

ويبحث لبنان عن حلولٍ للخروج من نفق أزماته المالية والإقتصادية والنقدية، منها طرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على قرضٍ مالي، وإمكانية تعويم العملة المحلية.

لكن البنك الدولي يرى أن الوقت قد فات، بشأن فرضية تعويم القطاع المالي، نظراً لعدم توفر الأموال العامة الكافية لذلك، سيّما وأن أصول الدولة لا توازي سوى جزء بسيط من هذه الخسائر.

وأضاف، "اليوم لبنان، يعيش واحدة من أكثر الأزمات حدة على مستوى العالم، نتوقع انكماش الإقتصاد المحلي بنسبة 5.4%، مع افتراض بقاء السيناريوهات الحالية دون تغيير حتى نهاية العام".

ولا بدّ من الإضاءة على عودة العجز في الميزان التجاري إلى الإرتفاع باتجاه مستويات سابقة للأزمة، حيث أن العجز في حساب التجارة الخارجي للبنان، يقدّر بين 12 و14 مليار دولار، إضافةً إلى الإنخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب الـ 6 بالمئة بحسب البنك الدولي، برغم كل ما أشيع عن إستعادة الحركة الإقتصادية ، بحيث أن هذه الحركة مرتبطة أكثر بالأموال المحوّلة إلى لبنان وليس بزيادة الناتج في الداخل، علماً أن هذه الأموال المحوّلة يعيد لبنان ضخّها إلى الخارج من خلال زيادة المستوردات.

ولكن في النهاية تبقى العين على الإتفاق مع صندوق النقد الدولي أولاً والبدء برحلة التنقيب عن الغاز علّ لبنان يبدأ بالسير على خطّ التعافي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...