رواية حادثة "العاقبية" شبه الرسمية... تدويل التحقيق؟

 

من الواضح أنه ولغاية الساعة، لم يخلص التحقيق إلى إنتاج رواية "ماكنة" لسبب وقوع حادثة العاقبية وانزلاقها إلى مواجهة دموية غير متكافئة بين جموع من الشبان ودورية تتبع للكتيبة الإيرلندية العاملة ضمن قوات "اليونيفيل". كذلك، لا رواية "ثابتة" يُعهَد إليها في تفسير ما حدث سياسياً. هذا الواقع أتاح انصراف أحزابٍ وشخصيات وهيئات للبناء على سيناريوهات، يبدو من طالعها أنها تحمل دلالات على إدانة سياسية، ترتكز إلى فرضيات قضائية واضحة، كاتهام "حزب الله" بتقصّد افتعال الحادث، أو إعداد كمين لاستهداف الجنود، وكلها روايات تفتقد إلى العناصر المفيدة. حتى المعنيّ المباشر (القوات الدولية)، لا يجد أدلةً كافية لتوجيه الإتهام إلى جهة (الحزب) ربطاً بعدم نضوج القرائن، والمعطيات توفرت لديها وتفيد أن الحادثة وليدة لحظتها، بالإضافة إلى تفهّم القوات الدولية لحالة السلاح المتفلّت بين العامة، والذي يؤدي إلى جرائم قتل شبه يومية.

مؤامرة بين الحزب واليونيفيل؟
من غير الممكن لغايته إعتماد رواية الكمين. منطقياً، من غير الجائز أن يكون الحزب أو افراد محسوبون عليه، يكمنون لآلية تتبع للقوات الدولية في نقطةٍ ما، ثم تقوم هذه الآلية بتوفير الذريعة من خلال انحراف السيارة عن مسارها التقليدي والدخول في منطقة المكمن، أللهمّ إلاّ إذا توفر تنسيق بين قيادة "اليونيفيل" وقيادة الحزب لافتعال مشكلة من هذا النوع!



في بعدٍ آخر، تفتقر الروايتان السياسية والإعلامية حول الحادثة إلى الدقة. فالقول مثلاً إن السيارة تعرضت لعشرين طلقة غير منطقي، لأنه ببساطة لم يتوصل التحقيق لغاية الساعة إلى تحديد نوع السلاح المستخدم والأعيرة النارية وعددها، إنما هناك فرضيات تخضع للتدقيق، منها حصول إطلاق النار من فرد، على الأرجح من مسدس حربي.

التحقيق ينتظر
وتبقى التوقيفات أو الإستدعاءات إلى التحقيق، أسيرة "ريتم" بطيء يعود سببه إلى عدم شفاء المصابين، سواء من العسكريين الأجانب أو المدنيين، الذي باتوا نظرياً في عهدة القضاء في انتظار الإستماع إليهم للوصول إلى بناء رواية قوية، فيما عملية التدقيق في هويات الجموع، حاصلة. أمّا الإستدعاءات فمرتبطة في شهادات الناجين من الحادث.

تدويل التحقيق؟
عملياً، دخل التحقيق مداراً آخراً، ربطاً بالإتهامات الجاري تداولها، والتي أخذت الدولة الإيرلندية إلى تعيين لجنة لتقصّي الحقائق حول الحادثة، سيما بعد اعتبار رئيس وزرائها أن قوات بلاده تعمل في "بيئة معادية".

تقنياً، وصلت اللجنة إلى بيروت مساء الأحد الماضي. وفي معلومات "ليبانون ديبايت"، تتألف من فريقٍ يضمّ 19 عضواً ، يتوزعون على محققين في الشرطة الإيرلندية وأفراد جنائيين وخبراء في مجال التحقيق والأدلة الجنائية.

في هذه الحالة، ولدت فرضية جديدة تتصل في إمكان دخول التحقيق بازاراً دولياً يشبه بوضعيته وظروفه لجان التقصّي التي وصلت إلى بيروت إبان الاغتيالات التي وقعت عام 2005، ما يطرح تساؤلات حول دور هذه اللجنة وحدوده والصلاحيات الممنوحة إليها، وطبيعة التقرير الذي ستعدّه ومدى حدود تنسيقها وطبيعة علاقتها مع القضاء اللبناني، مع الإشارة إلى أن تجربة القوات الإيرلندية العاملة ضمن "اليونيفيل" في الجنوب قديمة، ويسجّل لها علاقة طيبة مع الجوار على عكس ما صرح به رئيس وزراء بلادها.

على الرغم من ذلك، قلّلت مصادر قضائية متابعة، من احتمالات تأثير حضور لجنة التحقيق الإيرلندية أو التقرير الذي ستضعه على وضعية التحقيق اللبناني، لعدم ارتباط التحقيقين في ما بينهم، وهو ما بيّنته المصادر ربطاً باتفاقية التعاون بين لبنان والقوات الدولية، التي نظمت العلاقة بين الجانبين منذ دخول القوات الدولية إلى جنوب لبنان عام 1978. المصادر ذكرت أن الإتفاقية ترعى الحصانات ووضعاً خاصاً لليونيفيل، من خلال إجراء تحقيق داخلي أو خاص مع عناصرها في حال حدوث أي مشكلة ما من دون العودة إلى الدولة اللبنانية، لكنها لم تمنح صفة لليونيفيل في التحقيق مع لبنانيين أو استدعائهم إلى التحقيق أو استجوابهم في أي شأن قضائي متصل او على صلة بأي اعتداء أو مشكلة تحصل مع القوات الدولية، إلاّ بواسطة القضاء اللبناني.

هذه القواعد تنسحب على الفعل القضائي في حادثة "العاقبية"، لكون الإتفاقية لا تسمح للجنة بإجراء أي تحقيق قضائي داخلي لبناني مستقلّ أو منفصل عن التحقيق الرسمي المفتوح بإشارة قضائية أو متلازم أو متداخل معه، وفي الوضعية الحالية، يحقّ للجنة فقط حضور مسرح الحادث بعد نيل موافقة لبنانية قضائية وبمواكبة أمنية لبنانية، فيما أي مشاركة أخرى تتجاوز البعد المتفق عليه، لا بدّ من تنسيقها بين قيادة القوات الدولية والدولة اللبنانية من خلال الوزارات المعنية. وفي الحادثة أعلاه، يصبح التواصل ضرورياً مع وزارة الدفاع المعنية بشؤون قيادة الجيش المعنية بالتحقيق في الحادث.

رواية الحادث شبه الرسمية
في الوقائع الأخرى، سجّلت مصادر مطلعة على التحقيق رواية الحادث شبه الرسمية منذ انطلاقة الموكب من قاعدة القوات الإيرلندية في بلدة الطيري قضاء صور وفق التالي:

قبيل منتصف ليل الأربعاء – الخميس، تحركت آليتان من طراز "تويوتا" رباعية الدفع مجهزة بمعدات تحديد الموقع والإتصال، من قاعدة الكتيبة في بلدة الطيري، وعلى متن كل عربة 4 عناصر، في مهمة إلى مطار بيروت الدولي، لتأمين رحلة عدد من الجنود الذاهبين في إجازة إلى بلادهم. المفارقة أن الآليات انطلقت من القاعدة من دون مواكبة تقليدية من الجيش اللبناني، وقد عزا ذلك إلى كون قيادة الكتيبة لم تطلب مؤازة لكون التحرك روتينياً وخارج منطقة عمل 1701 ويأخذ مساراً تقليدياً. عند وصول الآليتين إلى نقطة أبو الأسود عند الأوتوستراد الدولي، إنحرفت الآلية الثانية عند المفترق باتجاه الخطّ الساحلي فيما استمر سلوك الآلية الأولى المسار نفسه. استمرت الآلية بسلوك الطريق القديم لغاية بلوغها بلدة العاقبية، رغم قيام قمرة قيادة الآلية الثانية إبلاغ رفاقهم في الآلية الأولى من خلال جهاز اللاسلكي أنهم ضلوا الطريق. في هذه الحالة كان يجب على الآلية الثانية الإلتفاف فيما يفترض أن تقف الأولى منتظرة الثانية. في طريقها صودف وجود شبان خرجوا للتو من مشاهدة مباراة لكرة القدم، فحصل احتكاك بينهم وبين عناصر الآلية أدت إلى مناوشة افتقدت إلى التفاهم لغياب القدرة على المخاطبة نتيجة اختلاف اللغة، ما تسبّب بإصابة الإيرلنديين بالهلع. إنطلقت السيارة مسرعةً لتصدم شاباً أخذ بالصراخ. ونتيجة الهلع والشكوك والإلتباس حول طبيعة وجود الآلية وسببه وانطلاقها بسرعة جنونية ووجود أجهزة على سقفها (وهي عادة أجهزة لتحديد الموقع)، اقدم أحدهم على إطلاق النار باتجاهها ما أدّى لانحرافها وارتطامها بأحد المحال.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...