طريق المطار تخلع "الزيّ الحزبي"... وتُلاقي القادمين بـ "أهلا بهالطلّة"


 جاء في "الراي الكويتية":

حين نزلتْ جورجينا رزق على سلّم الطائرة، وهي عائدة من رحلة تتويجها ملكة جمال الكون في صيف عام 1971، كان مئات اللبنانيين ينتظرون الصبية الحلوة، في المطار وخارجه على الطريق المؤدية إليه، يحملون صورها ويحتفون بالجمال العائد إليهم متوَّجاً.

على طريق المطار عيْنه، وقف لبنانيون يستقبلون ملوكاً ورؤساء وفنانين عرباً وغربيين، وفرقاً أميركية وأوروبية وروسية، يحضرون إلى مهرجانات بعلبك وبيسين عاليه وكازينو لبنان.هو مطارُ بيروت الدولي الذي أصبح مطار رفيق الحريري، وهي طريقُ المطار التي رُفعت عليها صور البابا يوحنا بولس الثاني، الآتي إلى بيروت في عزّ الوجود السوري ليعطي نفحاتٍ من الأمل لشعبِ خارج من الحرب لكن من دون سِلْم ناجز.

طريق المطار التي ارتبط اسمها بالازدهار اللبناني قبل عام 1975، تحوّلت مع الحرب طريق الخطر والموت والخطف، للبنانيين وغربيين.والمطار فَتَح الشهية، بسبب أعمال الخطف وانقسام البيروتيْن (الشرقية والغربية)، على رهاناتٍ لم تتحقق بفتح مطارات أخرى، القليعات ورياق، ومشروع مطار حامات.

قبل أن يعود السِلْمُ ومعه حلم توسعة المطار ليستقبل مئات الآلاف من الزوار الموعودين بـ «جنة» لبنانية.

لكن أيام الحرب عادتْ بأشكال أخرى وعادت طريق المطار عنواناً لـ «الفلتان الأمني».حين تشتدّ الأزمات تُقفل طريق المطار، وعندما تتفاقم أزمة الكهرباء تُحرق الإطارات عليها وتُقفل، ولحظة أي انفجار سياسي أو أمني أو عسكري كحرب يوليو 2006 تُقفل طريق المطار وتُشلّع الطرق المؤدية إليها، لتصبح مرادفاً للحرب والسلم، تماماً كما طريق البربير - المتحف، وطريق قصقص وسباق الخيل، كعناوين التصقت بالحرب، وما أن تعود بعض «الإشكالات» حتى يستعيد اللبنانيون تاريخها.

طريق المطار من هذه الزاوية أصبحت بسبب جغرافيتها، محطة إشكالية. في الحرب كانت تحت سيطرة اليسار، فاختار اليمين مرفأ جونيه بديلاً. تلك الحرب فتحت لها جروحاً جانبية. فهي عملياً، تقع في ضاحية بيروت الجنوبية، لكن الوصول إليها له مسالك كثيرة من بيروت ووسطها ومن الضواحي، التي تصبّ في طرق فرعية كثيرة لتصل إليها، إلى حيث أصبح الأوتستراد الرئيسي الوحيد واسمه «جادة الإمام الخميني».

حين رُفعت لافتة الجادة عام 2019 قامت القيامة. كان اللبنانيون خارجون من انقسامات بدأت مع «حزب الله» عام 2005 واستمرت حادة، معه ومن خلفه إيران. لكن سرعان ما خفتت الضجة، فالاسم أقرّتْه وزارة الداخلية بناء على طلب رفعتْه بلدية الغبيري، التي يقع طريق المطار في نطاقها، في حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2002.

سكتت الأصوات وبقيت اللافتة، وحين تخرج من المطار تطالعك اللافتة بالأزرق، جادة الإمام الخميني. قد تكون حربُ تسمية الشوارع قديمةً في لبنان بين أسماء سياسيين فرنسيين وأميركيين وعرب وكان السجال دائماً يصبّ في خانة الانقسامات اللبنانية حول الهوية والدور.

لكن طريق المطار بدت في الأعوام الأخيرة أكثر التصاقاً بهوية واحدة مؤيدة لـ «حزب الله» وإيران، في وقتٍ بقيت تسميات الشوارع الأخرى عبارة عن لافتات صغيرة متفرقة.

وبات أكثر ما يمكن أن يشكل هوية طريق المطار المزيجُ الثقافي والاجتماعي والسياسي في بيئة واحدة. مؤسساتٌ دينية تابعة لحركة «أمل» و«حزب الله»، مؤسساتٌ صحية وتجارية وتربوية ورعاية أمنية مُطْلَقة.

المنطقة في الأصل تعاني من تدهور أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، ما انعكس خلال سنوات الحرب وبعدها مخالفات عشوائية في الإعمار وفي التمدد على الأوتستراد، وفي فوضى عمرانية على طول الطريق، من المطار وإليه. لكن حالتها في الأعوام الأخيرة تفاقمت، فأصبحت نموذجاً عن الفقر والحرمان مضافاً إليها صبغة الانتماء السياسي البحت.

لم يكن طلب وزير السياحة وليد نصار من قيادتيْ حركة «أمل» و«حزب الله» تخفيف الصور عن طريق المطار من أجل تنشيط الموسم السياحي، ومن ثم إعلانه تجاوب الطرفين معه، سوى محاولة تكللت بالنجاح من وزير محسوب على حليفهم «التيار الوطني الحر»، ولا تشبه حكماً قضية أجهزة التنصت في المطار ورئيس جهاز الأمن فيه التي أدت لاحقاً إلى انفجار 7 مايو 2008، إلا أنها أعادت تسليط الضوء على الطريق المذكورة.

وفعلياً تَغَيَّرَ المشهد على الطريق مع تخفيف «الرمزيات» السياسية والدينية، وانتشار لوحات إعلانية ترحب بالقادمين «أهلاً بهالطلّة»، وهي عبارة يحلو للبنانيين تردادها في ملاقاة الضيوف والأهل... العبارة كتبت بالعربية وبأحرف أجنبية في ظل تَوَقُّع موسم سياحي واعد، واكَبَه الوزير نصار يوم الجمعة ميدانياً عبر جولة في محيط المطار مُطْلِقاً حملة بعنوان «مشتاق للبنان طِلّ هالصيفية».

لم يكن أحداً يتوقع استجابة سريعة لتمني وزير السياحة، فرئيس بلدية الغبيري، القريب من «حزب الله» كان تحدث في وقت سابق عن أن اللوحات المرفوعة كلها بما في ذلك الانتخابية، مرخصة وعلى لوحات نظامية. ما أثار شكوكاً حول إمكان إزالة الحزب جدارية اللواء قاسم سليماني، أو شهداء الحزب وصور أمينه العام السيد حسن نصرالله تحت شعارات الحملة الانتخابية الأخيرة، التي كادت أن تكون الوحيدة المرفوعة على الطريق.

وعلى الطريق إلى المطار، ليست القضية قضية صورٍ فحسب، كل ما يطالعك من وإلى هذا المرفق الحيوي والسياحي هي عبارة عن صورة لم تكن لها علاقة بالموسم السياحي: عربات القهوة الاكسبرس المنتشرة بكثافة ترفع أبوابها الخلفية مع ماكينات القهوة للعابرين على الطريق، عجقات السير عند المفترقات، تفاقم عمليات السرقة في الطرق الفرعية، انعدام الإنارة ليلاً، كثافة السيارات المتوقفة إلى جانب الطريق بسبب عدم القدرة على دفع بدل المرآب في المطار، عجقة الدراجات النارية الكثيفة في شكل استثنائي، انتشار الباصات الصغيرة (الفانات) على جانبي الطريق، عربات الخضر، والناس المنتشرون على الأرصفة بحثاً عن برودة الليل أو فيء النهار، جسور المشاة الخالية من الناس الذين يعبرون تحتها، سيارات الأجرة في وسط الطريق، وفوضى عمرانية متزايدة.

تَغَيَّرَ المشهدُ نسبياً وكأن طريق المطار في «وقت مستقطع» اسمه الموسم السياحي، الذي حمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أيام مع الوزراء المعنيين على القيام بجولة في المطار وطمأن إلى سلامة العمل والأمن فيه، على أبواب موسم سياحي يفترض أنه واعد بسبب كثافة الحجوزات ولا سيما من جانب المغتربين. وهؤلاء منقسمون حيال ما كانوا يجدونه لدى خروجهم من المطار.

ومن الطبيعي أن تنعكس الخلافات السياسية على ما يراه العائدون من مظاهر لها علاقة بـ «حزب الله» على طريق المطار الرئيسية. لكن واقع الحال أن طريق المطار خلعت «الزيّ الحزبي» الآن وصارت تشبه أكثر حاجز الجيش عند مدخل المطار، المظهر الشرعي الأكثر حضوراً عليها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...