السعودية تُصعّد مع بيروت


 "ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح


كان من المُفترض أن يعود السفير السعودي المعتمد لدى لبنان وليد البخاري مؤخرّاً لمزاولة مهامه الديبلوماسية، في ضوء "مشروع التقارب" الذي قاده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى الرياض مطلع الشهر الجاري والذي كان من المفترض أن يتوسّع، لكن يبدو أن القيادة السعودية قد عدلت عنه.

في المقابل، تنحو الرياض إلى مزيدٍ من التشدّد تجاه لبنان بدليل الطريقة "الملتوية" التي تتعامل بها مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي باتت أمام التحدي السعودي الثاني من نوعه ضمن فترة وجيزة والذي يبدو أنه أعمق ممّا سبق. يشمل ذلك طريقةً "فجّة" في التعامل مع شخص رئيس الحكومة وصولاً إلى حدّ عدم الإعتراف به أو بدوره، وتركه مثلاً ينتظر تأشيرة عبور لإتمام فريضة العمرة! هذا بالإضافة إلى تجميد الخطة الفرنسية القائلة بتشكيل "هيئة" فرنسية – سعودية لإدارة المساعدات تجاه بيروت.

في الحقيقة، ما خشيَ منه الوزير المستقيل جورج قرداحي، في السابق يحصل الآن، والإستقالة التي قُدّمت على طاولة اجتماع ماكرون – بن سلمان كتنازل لبناني، لم تؤتِ غرضها وإنما انتهت إلى لا شيء وقد تبخّر مفعولها بمجرد حصولها وختم ذلك اللقاء، ينطبق ذلك على مفاعيل الإتصال الذي أجراه ماكرون بميقاتي ومرر خلاله الهاتف لبن سلمان.

ويُقال أن إحدى مساوئ حظ نجيب ميقاتي العثر، تختصر في "قلة حيلته" حيال المسائل التي تخصّ الخليج عموماً، والتي تتّخذها الرياض ذرائع في العادة لمزيدٍ من تعقيد العلاقة مع بيروت. فمثلاً، أثبتت الحكومة عجزها عن تعقّب وملاحقة الحقوقيين البحارنة غداة المؤتمر الصحفي الذي أجروه في بيروت، وهنا اقتصر التحرك اللبناني –وفق المضبطة السعودية- على إبداء الرغبة والنيّة في العثور على الأشخاص وترحيلهم من دون ترجمة ذلك إلى فعل، فضلاً عن الدور المحصور للاجهزة الأمنية ضمن حدود إعداد تقريرٍ ورفعه إلى الجهة الرسمية المختصة من دون العثور على "المتورطين" في المؤتمر.

ثاني مساوئ ميقاتي، أنه بات مسؤولاً بنسبةٍ كبيرة أمام السعوديين، عن وضع حدٍّ للعديد من المعارضين السعوديين الناشطين عبر السوشال ميديا، والذين يتحركون بحرية في بيروت ويقيمون التجمّعات وينتقدون الرياض منها من دون القدرة على "ضبطهم". إلى جانب ذلك، ورث ميقاتي قضيةً قديمة تتّصل بمصير وسائل إعلام يمنية بحرينية وسعودية مرئية وإلكترونية تنشط في العاصمة اللبنانية وتطالب المملكة منذ مدة بوضع حدٍّ لها. ويقول قائلٌ هنا أن إخراج الوزير جورج قرداحي من منصبه كان قضيةً تأتي في الاساس من خلفية موقفه من وجود وسائل الإعلام تلك.

كلّ ذلك يدفع عملياً الأمور إلى المزيد من المواجهة. نحن إذاً أمام موجةٍ جديدة من الإجراءات السعودية التي سوف تُتّخذ بحقّ لبنان، وما يدلّ إلى ذلك، التعامل ببرودة مع المسألة اللبنانية غداة سفر الرئيس الفرنسي، وعدم ترجمة الوعود التي أُسديت إليه أفعالاً، وصولاً إلى إقحام "قضية اليمن" بشكلٍ مباشر في سياق الخلاف مع لبنان. في ظلّ ذلك، لا يبدو أن السفير السعودي في وارد العودة، وهناك من يطرح نظريةً تقول بأنه "راجع" حين انقضاء فترة الأعياد، لكن وفق شكل مختلف (!!).

الواقع يقول أن الرياض تدفع بالأمور مع لبنان نحو بلوغ أرفع مستوى من التصعيد، ولا يبدو أنها ستقتصر في المدى المنظور على توسيع الحصار أو الإبقاء عليه، بل يبدو أنها تتّجه لاعتماد وسائل ديبلوماسية على شكل رفع شكوى ضد الحكومة اللبنانية إلى مجلس الأمن من خلفية ما تقول الرياض أنه "تورط مباشر" لـ "حزب الله" في اليمن. وعلى ما يبدو وبشهادة معنيّين، تتجه اللوبيات السعودية الناشطة في الولايات المتحدة تحت هذا العنوان باتجاه الدفع إلى مزيدٍ من التشنج.

تقول السعودية أنها تثبّتت من مشاركة "حزب الله" بقصف أراضيها إنطلاقاً من اليمن. وبمعزل عن صحة الرواية، يظهر أن الإتجاه الذي تسلكه يوحي بأنها تؤسّس لاتهام الحزب، على قاعدة أنه المسؤول عن قصف أراضيها وليس من زاوية المشاركة في معاونة اليمنيين بالحرب الدائرة هناك فقط، وهنا اختلافٌ واسع. ما ترمي إليه السعودية قابلٌ لاتّهام لبنان باستخدام الأراضي اليمنية لضرب الأراضي السعودية! وهنا تريد الرياض توظيف ما يحصل في اليمن بإطار زيادة الضغط على الجانب اللبناني عبر اتهام الحكومة بالمسؤولية، ما دام أن الحزب يشارك فيها ويعتبره رئيسها "حزباً سياسياً لبنانياً"، وبالتالي يصبح ما ترمي إليه الرياض، على شكل محاولة فرض إجراء تغييرات على الصعيد السياسي اللبناني من زاوية تصعيد المواقف تجاه الحزب، بالتوازي مع إطلاق وقيادة حملة محلية متّصلة بهذا الشقّ، تقدّر أنها سوف "تزعج" الحزب ومن معه. وثمة من يطرح نظريةً أخرى تقول بأن الرياض تسعى إلى مراكمة التشنج تجاه لبنان بشكلٍ تصاعدي وواضح منذ الآن وحتى حلول موعد الإنتخابات المقبلة، رغبةً منها في التأثير بالنتائج عبر تحميل "حزب الله"، أوزار موجات الضغط المتصاعدة والتي يقال أنها مقبلة تجاه لبنان.

وعلى ما يبدو، تريد السعودية تحميل لبنان مسؤولية عدم تقدّمها في اليمن. هي في النتيجة تحمّل الحزب جزءًا من الأسباب، ولا ريب في أنها عاجزة عن تحقيق أهدافها هناك، وبالتالي تسعى للتعويض عبر تحقيق أهداف في المسألة اللبنانية، لعلّها ومن خلال التشدّد لبنانياً تعوض خسائرها أو تنال تنازلات في الملف اليمني أو هكذا تظن.

لكن وعلى ما يظهر حتى الآن، فإن توظيف الفيديو الذي بثته قناة العربية في اتجاه تنفيذ "مغامرة" في الداخل لم يظهر بعد، أو أنه لم يدخل حيّز التنفيذ وقد يكون لم يؤت غايته، وقد يعود سبب ذلك إلى عقمٍ في "محتوى الشريط"، الذي لم يُظهر بوضوح وجود علاقة للحزب وفق العنوان الذي ورد، أقلّه بالنسبة إلى المواكبين الجديين للملف، فيما اقتصر التعليق والإتهام وعدم الأخذ في هشاشة المادة أو ركاكتها إلى جانب ضعف الدليل على الفئة المنضوية عادةً في خانة التحالف السعودي، وهذه من الطبيعي أن تبتعد عن التدقيق في المحتوى للغايات السياسة المعروفة.

ويُنظر إلى ذلك بأن الغاية الأساس من وراء بثّ الفيديو، فالبداية كانت في البحث عن ذرائع جديدة لقطع الطريق أمام أي محاولة تقارب مع بيروت، وثانياً توظيف المشاهد في الجبهة اللبنانية عبر محاولة تعميق الأزمة الحالية وخلق تشقّقات جديدة على أبواب الانتخابات

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...