من يأخذ اليرزة إلى الإنفجار؟


 منطق "التجاوزات" هو السائد حالياً في اليرزة، والأمور ذاهبة نحو التصعيد ربطاً بالتنافس الحاد الجاري بين "الجنرالين"، قائد الجيش العماد جوزاف عون ووزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال العميد المتقاعد موريس سليم.

شهر العسل الذي ظُنَّ ان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كرّسه بمفعول لقاء جمع "الجنرالين" في السراي الحكومي تحت رعايته قبل شهر ونيّف، لم يدم طويلاً.التباينات بين الرجلين أكبر من أي يجري حلّها على طريقة "تبويس اللحى". لكلٍ منهما "نزعة" تكرّس منطق التباعد أو تدفعه قدماً. الموضوع أكبر من "كيمياء" مفقودة، إنما حالة صراع يعود مصدرها للجينات العسكرية التي تغذّي تعدد التفسيرات للقانون والصلاحيات، والشعور المتعاظم لدى قيادة الجيش، أن ثمة من جاء لينازعها حضورها في المؤسسة.

قيل سابقاً إن الحل لموضوع الحساسية في اليرزة هو الإتيان بوزيرٍ للدفاع من صلب المؤسسة العسكرية. تجربةٌ أثبتت فشلها بمقياس العارفين تبعاً للوضع الراهن! كُنا في صراعٍ على الصلاحيات يأخذ بعداً سياسياً – عسكرياً، وطموح دائم لوزير الدفاع في تكريس دوره وتعزيز حضوره بالممارسة من خارج النص، وأصبحنا في صراعٍ ببعدٍ عسكري – عسكري أقرب إلى تكسير عظم، لم تعد تنفع معه الدبلوماسية أبداً.

ما حصل أخيراً أن تراكمات الصراع بين الرجلين عاودت الظهور مجدداً كنتيجة طبيعية لسياسة "الترقيع" وعدم الإعتراف بوجود أزمة عميقة. لم يعد الأمر متصلاً بالنزاع حول الدائرة القانونية في وزارة الدفاع أو المناقلات أو المفتشية العامة أو اختلاف النظرة إلى دور بطاقات "تسهيل المرور" ووظيفتها والجهة الصالحة لإصدارها. تعدّى الأمر الإستياء الدبلوماسي من منع زوار وزير الدفاع من ركن سياراتهم داخل حرم اليرزة. تجاوزت المسألة حالة الصدمة التي اجتاحت المرجعيات والسفراء من تعمّد وزير الدفاع "نشر غسيل" قيادة الجيش عبر "تسريب" ملفات داخلية تخصّه إلى وسائل إعلام، تصنّفها "اليرزة" من ضمن أدوات استهدافها وتتسم العلاقة معها بالخشونة. أصبحنا اليوم في غمرة صراع يتوسّع، ويخطىء الطرفان في تقدير المخاطر الناجمة عنه في حال تخطى حدوده ليلامس التلاعب بالنصوص الناظمة للعلاقة.

في المقابل يُتهم قائد الجيش بالمساهمة في تأجيج الخلاف كونه سبق له أن وعد وزير الدفاع خلال اللقاءات الثنائية بينهما والتي جرت بعيد الخلاف الكبير، بأنه جاهز للإتفاق على"خريطة طريق" حل المواضيع الخلافية.

الأمر نفسه أقدمَ عليه الوزير دون أي يُبادر إلى أي فعل جدي. في ما بعد، فتح عون على حسابه في اتجاهين: رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. برر حراكه أنه يأتي من خلفية العمل على حل موضوع الترقيات المجمدة بفعل احتدام الخلاف السياسي، وتجاهل "الوزير" للملف ربطاً بقرار مقاطعة جلسات الحكومة، و"شطارة" اقتناص اللحظة السياسية. لكن الحل، يقول زوار الوزير، إنه جاء على حسابه ولم يكن له أي رأي فيه أو دور، ورغم ذلك حاول استلحاق نفسه. تدخّل سليم لدى ميقاتي قبل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة شاكياً تجاوزه، ما أجبر ميقاتي على إعادة إرسال جداول الترقيات إليه كي يدقق فيها شرط أن يوقعها ثم يعيدها وهكذا كان.

تخريجةٌ أتت وفق الحالة اللبنانية: "رابح - رابح" لكنها لم تنزع الفتيل. لاحقاً، ذهب قائد الجيش بعيداً، حينما أرسل إلى رئيس الحكومة إقتراحاً بتعيين المواقع الشاغرة في المجلس العسكري، في مسعى منه لتأمين تعيين في رئاسة الأركان وتجاوز "فخ" تولي الرتبة الأعلى زمام القيادة في حال الشغور. وشمل الإقتراح الموقع الشيعي وإقترح له العميد رياض علام، علماً أن الأخير لا يتمتع بدرجة "الأركان". واقترح له الأرثوذكسي العميد الركن فادي مخول أحد أفراد القوات الخاصة، فيما الموقع الدرزي أُدرج عليه العميد الركن حسان عودة، وقيل إنه "جائزة" النائب السابق وليد جنبلاط في "كعكة" التعيينات مدعوماً من صديقه الرئيس بري.

السبب المبدئي لرفع الإقتراحات بهذه الطريقة يعود لإصرار الوزير وتمنّعه عن رفعها إلى رئاسة الحكومة، لذريعة تقنية "عدم جواز التعيين في حكومة تصريف الأعمال"، ما اتخذته "القيادة" سبباً كافياً لرفع الإقتراحات مباشرةً إلى رئاسة الحكومة بشكلٍ مستقل. وثمة من بّرَر للقيادة خطوتها على اعتبار أن دور الوزير "تقني" في هذه الحالة ومحصور بالرفع فقط من دون إبداء الرأي، كون المجلس "سلطة" تتبع للجيش، فيما هناك من ذهب بعيداً متحدثاً عن أن ما جرى حصل بالتشاور مع رئيس الحكومة.

عملياً، المشكلة التي ظهرت تُقسم إلى قسمين: الأول رأي مفاده أن قائد الجيش تعمّد تجاوز رأي وتوقيع وزير الدفاع مخالفاً بذلك قانون الدفاع الوطني. حيث أن أي مراسلة بين قيادة الجيش والوزارات أو الإدارات الرسمية، لا بد من أن تعبر في وزارة الدفاع وترفع إلى المرجعية المختصة مذللة بعبارة "بناءً لاقتراح الوزير" ثم تنال توقيعه، وهو ما لم يتمّ لحظه في الإقتراحات المُرسلة. الأمر الثاني الأكثر خطورة، أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يُتهم بالـ"تواطؤ"!. يُناقش الموضوع مع قائد الجيش موحياً قبوله استقبال اقتراحات واردة منها دون عبورها وزارة الدفاع بقوة "تسيير المرفق العام"، رغم علمه بالمخالفة المسجلة، ثم يذهب محاولاً "فتح نقاش حولها" مع الوزير، محاولاً إقناعه بحضور الجلسات وتسوية الخلاف على طريقة "أبو ملحم"!

في النتيجة، ما يجري بين قيادة الجيش ووزارة الدفاع فاق التوقعات. بحسب المعلومات، قُوبل ما جرى أخيراً باستياء مرجعيات سياسية أساسية، والأسوأ أنه يتسلّل إلى جدران "اليرزة". هنا وعلى مبدأ توزيع الخسائر، يتحمل المسؤولية قائد الجيش ووزير الدفاع ورئيس الحكومة المنشغل حالياً، وفق معلومات "ليبانون ديبايت" بتحضير الأرضية لانعقاد جلسة حكومية بعد عطلة الأعياد، يعمل على تسويقها بين الأركان تحت خانة "الضرورة الملحة"، في محاولةٍ منه لإمرار بندين أساسيين: تعيينات المجلس العسكري إستلحاقاً لاحتمال إحالة قائد الجيش على التقاعد ولاحتمال تمدّد الشغور الرئاسي ما يحول دون تعيين قائد جديد، وحلّ موضوع الشغور الداهم في حاكمية مصرف لبنان نهاية الشهر الجاري، أو عملياً "تزفيت" الطريق أمام تولّي نائب الحاكم الأول سُدة الحاكمية "إستثنائياً" وكما ينصّ القانون. فيما أنه ولو حصل وجرت تعيينات عسكرية (وهذا مستبعد بفعل فيتو تضعه قوى أساسية على رأسها حزب الله) من دون مشاركة وزير الدفاع والإستعاضة عنه بحضور قائد الجيش، ستكون سابقة تأخذ الأمور في اليرزة إلى "الإنفجار".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...