ماذا ستفعل بكركي؟

 

تبدو المشهدية التي وصلت اليها الانتخابات الرئاسية في لبنان سوريالية جداً، اذ انها تجمع في الوقت نفسه ما بين عناصر الصدمة، الضياع واليأس.

ويبدو المشهد العام اللبناني صورة طبق الأصل عن الضياع الرئاسي والتشتت الحاصل ما بين الداخل والخارج، وما بين الرغبات والمصالح الخاصة، التي على ما يبدو، تحوّلت الى ميزان تُقاس فيه مصالح المواطنين، فمن اعتادوا ان تعيش البلاد فراغات متتالية من اجل حصة من هنا ووزارة من هناك، يبدو انه من الصعب عليهم ان يعودوا للاحتكام الى الصالح العام متخلين عن انانياتهم وعنادهم الذي ساهم كثيراً في التدحرج الحاصل وفي الوصول الى عمق أعماق "جهنم".

ومن عمق جهنم وعلى الرغم من استفحال الازمات التي تحرق نيرانها جميع المواطنين دون استثناء، لا يزال بعض الافرقاء في لبنان يصرّون على انتهاج منطق المواجهة والتصعيد والابتعاد عن مفاهيم الحوار والتلاقي والانفتاح، وكأن التجارب اللبنانية السابقة والعديدة لا تكفي لأخذ العبر.

وبالعودة الى الصورة الرئاسية السوريالية، لا بد من الاشارة الى ان سورياليتها تنقسم  الى جزئين، الاول مرتبط بالداخل اللبناني والثاني يحمل بعداً اقليمياً ودولياً في الوقت نفسه.

طلاق بين الداخل والخارج
في ما يتعلق بالجزء الثاني، حملت الاشهر الأخيرة التي تلت الفراغ الرئاسي في لبنان صورة جديدة للعلاقات ما بين الدول المتنازعة ، كما بدا التوجه العالمي منحصرا بشكل كبير في الملفات الاقتصادية المتعلقة باشكالية الطاقة والطاقة المتجددة بالاضافة طبعاً الى الهم البيئي والمناخيّ المسيطر بشكل كبير جداً.

والصورة الجديدة التي حكمت المشهدية الاقليمية تمثلت في "اتفاق بكين" وفي التقارب المستمر بين السعودية وايران، الذي بدلاً من ان ينعكس بشكل ايجابي ومباشر على الواقع اللبناني، حوّله البعض الى مادة للتشكيك والتقييم، في محاولة للحفاظ على الاصطفافات ولغة المحاور التي  اندثرت واختفت معالمها من مختلف الدول التي تنازعت سابقا، الا انها بقيت صامدة في لبنان في تحدّ واضح للريح ومجريات التطور.

وعلى الصعيد الخارجي أيضاً، تحوّلت فرنسا بالنسبة الى جزء من اللبنانيين من "أم حنون" الى دولة تبحث عن مصالحها وحسب، على الرغم من ان الوقائع التاريخية تؤكد ان فرنسا غالباً ما سعت الى تثبيت صيغة "لبنان الكبير" الذي اطلقته ولم تعمل يوماً على تقوية فئة او مكوّن من المكونات اللبنانية بوجه اي طرف لبناني آخر.

وامام هذين الواقعين الدوليين وكيفية تلقف الداخل اللبناني لحركتهما، بات من المؤكد ان المسافة بين الداخل والخارج واسعة ، ما يؤخر انطلاق قطار الحلول اللبنانية.

بين الأكثرية والاجماع
اما على الصعيد الداخلي، فمشهدية الاختلاف او التصارع ، ليست جديدة على اللبنانيين، لا بل عاشها اللبنانيون بنسخ شبيهة الى حدّ كبير، واللافت انه بعد انقسام سياسي عميق عرفه المجتمع اللبناني وتمظهر من خلال "قوى الرابع عشر من آذار" و"قوى الثامن من آذار"، وبعد انقسام مذهبي اقليمي انعكس على الداخل اللبناني، فتُرجم تباعدا وتشنّجا بين السُنة والشيعة في لبنان، يعود الانقسام اليوم ليأخذ بعداً مسيحياً لا بل وبشكل أكثر دقة ليأخذ بعداً مارونياً داخلياً على الرغم من محاولات النكران التي تنتهجها بعض الاحزاب والتيارات المسيحية. وهذا الانقسام بالتحديد يعيد الى اللبنانيين ذكريات غير مرغوب فيها عن حقبة سوداء من تاريخ لبنان .

وفي هذا الاطار، برز الى العلن مصطلحان جديدان، قد يشكلا محطة اساسية في النزاع الماروني المستمر حول الرئاسة الأولى والذي قد يؤدي الى فتح الابواب أمام طرح الكثير من علامات الاستفهام حول النظام والدستور وما يعرف بالـ"المؤتمر التأسيسي."

والمصطلحان ، هما الأكثرية والاجماع، اذ ان بعض المسيحيين يريدون احتكار التمثيل المسيحي واسقاط حضور كل من لا يتفق معهم ومع تطلعاتهم معتمدين لغة الأرقام والنسب التي ارتأت بكركي منذ زمن طويل الا تتطرق اليها، معتبرة ان الحلّ الانسب للبنان هو التسليم بالمناصفة كصيغة نهائية للعيش في لبنان.
لغة النسب والأرقام

ومن هنا، لا بد من طرح علامات الاستفهام حول  الأرقام التي ظهرت الى العلن مؤخرا والتي تتخللها مقارنة دقيقة بين النسب التمثيلية التي تختزنها الأصوات التي نالها رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجيه والنسب التمثيلية التي تختزنها الاصوات التي انتخبت الوزير السابق جهاد ازعور، وعلامات الاستفهام تشمل التساؤل حول الهدف من اظهار هذه النسب في هذا التوقيت بالذات.

في المحصلة، يبدو ان المرجعية المارونية الاولى، اي بكركي، امام تحديين جديدين، الأول يتمثل في رغبة البعض باحتكار المشهد المسيحي على الرغم من انهم يمثلون الأكثرية لا الاجماع، والثاني متمثل في رغبة للعودة الى لغة الأرقام ناتجة مبدئياً عن لغة الاكثرية التي يتمسك بها البعض من المسيحيين، فكيف ستتصرف البطريركية المارونية؟ 
 



 

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...