في قراءةٍ لأوساط سياسية تتابع عن كثب تطورات المواقف المحلية والخارجية من الاستحقاق الرئاسي، أجرتْها بعد المحادثات التي عقدها الوزير السابق للخارجية الفرنسية جان – ايف لودريان في بيروت بصفته موفداً شخصياً للرئيس ايمانويل ماكرون، أن ما سَبَق جلسة 14 حزيران الانتخابية في البرلمان من تَقاطُع داخلي على ترشيحه، كما ما أفرزتْه هذه الجلسة من نتائج جاء ليكرّس متغيّرات من نوع «أول مرة» أقله منذ فترة طويلة ولها تأثيرٌ عميقٌ على ما بدا إيقاعاً وحيداً جرى الاعتقاد أنه تم فرْضه في الاستحقاق الرئاسي وعليه. وبحسب الأوساط نفسها فإن المعادلةَ التي سادت الانتخابات الرئاسية في المرحلة الأولى كان عنوانها الأساسي أن المسار الخارجي هو الذي سيحدّد مصير هذا الاستحقاق واتجاهاته كما رُسمتْ ممّن اعتقدوا في لبنان أنهم ضبطوا ايقاعه كما يريدون وبما يجعل العنصر الداخلي هامشياً أو غير مؤثّر فيه.
وقد تَعَزَّزَتْ هذه المعادلة مع دخول فرنسا الواضح على قاعدة تسهيل العملية الانتخابية وفق الخيار الذي اعتمده ««حزب الله»، إلى أن برزتْ وللمرة الأولى منذ فترة طويلة مقاربةٌ داخليةٌ قامتْ على التلاقي على مرشّحٍ لم يفرضه الخارج ولا جاء السيرُ به نتاج تطورات إقليمية بل وليد عمل ودينامية محلية.ويستحضر باحث خبير في تاريخ الانتخابات الرئاسية محطات نادرة في التاريخ اللبناني تَقدَّم فيها البُعد الداخلي على الخارجي في الانتخابات الرئاسية، وبينها انتخاب الرئيس كميل شمعون (1952) بعد تقاطُع مع كمال جنبلاط، ووصول الرئيس سليمان فرنجية في 1970 حين كان المسارُ الداخلي فاعلاً في الملف الرئاسي، وهذه المرة الأولى منذ تلك الحقبة تبرز دينامية لبنانية عكْس كل الاعتقاد بأن الداخل فَقَدَ أي قدرة على دور مُقَرِّر في الانتخابات الرئاسية.
ويلاحظ الخبير نفسه المتغيرات التي عبّر عنها التلاقي الذي جرى على ترشيحه لجهة انها المرة الأولى يحصل توافق مسيحي شامل، برعاية من بكركي والفاتيكان، على مرشح ليس رئيس حزب أو رئيس تيار، بل اسم هو من الأكثر انفتاحاً على الطوائف الأخرى وعلى المنطقة، وعروبيّ. وهذا أمر نادر، إذ عندما حصل الحلف الثلاثي في 1968 – 1970 ذَهَبَ أكثر في اتجاه مقاربةٍ مارونية تقليدية.ولكن اليوم، وللمرة الأولى ترتسم مقاربة وإجماع مسيحي على هذا المستوى على شخصية لا تمثّل «بروفايل» التقليد الماروني السياسي، أي مرشح ليس ابن زعامة سياسية، أو تيار حزب. وفي إطار معاينة المفارقات التي طبعتْ مسار ترشيحه، تُثار مسألة أن أول مَن سمى أزعور كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع كل وضْعه الخاص والعلاقة الخاصة التي تربطه بالرئيس نبيه بري، من دون أن يقلّ دلالةً تبنّي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل هذا الترشيح، وهو من أبرز حلفاء ««حزب الله»، مع توقُّفٍ عند أن هذا المسار بُني فيما كان الخارج وخصوصاً فرنسا تسير بمعادلة أن هناك مرشحاً يدعمه الحزب، وهو سليمان فرنجية، الذي تم العمل بكل الوسائل لإيصاله إلى حدّ أنه طُلب من السعوديين وآخَرين الوقوف جانباً لتسهيل مرور هذا المرشح، وإذ فجأة برزت الدينامية التوافقية الداخلية التي لم تبدأ بالأحزاب المسيحية الكبرى، بل من خلال مبادرة لبعض النواب المستقلين مثل غسان سكاف وغيره، وارتكزتْ على الأسماء التي سبق لجنبلاط أن طَرَحها، إلى أن أخذت هذه الدينامية مداها وكوّنتْ إجماعاً مسيحياً كبيراً ثم تلاقياً واسعاً مع أحزاب أخرى وشخصيات من مستقلين وتغييريين.
الأنباء الكويتية