الطعن بـ”الكابيتال كونترول” الحكومي محسوم… عدوان: محاولة فاشلة لشرعنة قرارات “المركزي”

 

أكثر من ثلاثة أعوام على الأزمة المالية والنقدية والمصرفية في لبنان، فيما قانون “الكابيتال كونترول” لضبط خروج الاموال الاجنبية، يراوح كراً وفراً وتقاذفاً بين الحكومة واللجان النيابية وهيئة مجلس النواب. قرارات من هنا وتعديلات من هناك، مناكفات ونكايات من هنا ومراوغة وتعقيدات من هناك، حتى باتت ولادة القانون مستحيلة في ظل تحوّل المجلس النيابي الى هيئة انتخابية لا وظيفة له إلا انتخاب رئيس للجمهورية.

وعلى رغم أنه “سَبَقَ السيف العَذل”، بدليل أنه لم يعد من أموال أجنبية في المصارف لتُضبط، فيما موجودات المصارف بالكاد تغطي اعتمادات زبائنها، خصوصا من التجار الذين يؤمّن قسم منهم “فريش” حتى يتمكنوا من تحويلها الى الخارج لتسيير أعمالهم، بيد ان “الكابيتال كونترول” لا يزال ضرورة ملحّة لحماية جزء، وإنْ يسير، من الودائع لغير المحظيين من المودعين بدعم سياسي أو أمني أو حتى مصرفي، عدا عن أهميته لحماية المصارف من الاحكام القضائية التي يستحصل عليها بعض المتمولين والمودعين الأثرياء، لسحب ودائعهم كاملة بما يشكل تهديدا لودائع صغار المودعين.

ولأن مشروع القانون الخاص بـ”الكابيتال كونترول” تعذر اقراره في مجلس النواب، أقرت حكومة تصريف الاعمال بناء على طلب من وزير المال يوسف الخليل “الطلب من مصرف لبنان اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة لإلزام المصارف بسقف السحوبات المتاحة للمودعين (سحبا أو تحويلا) وفقا للتعاميم ذات الصلة، وإلا التعامل بشكل يساوي في ما بينهم وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى أو على أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه ومصدره والاستمرار بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة (فريش)”.

هذا القرار، وإنْ كان أمرا ملحّا جدا نظرا الى الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وفق محامي جمعية المصارف أكرم عازوري، بيد أنه عرضة للطعن. إذ علمت “النهار” أن مجموعة من المحامين سيطعنون به خلال الايام المقبلة أمام مجلس شورى الدولة على خلفية خرقه تراتبية القوانين، عدا عما سمّوه “تشريع الجريمة” التي تُرتكب منذ بداية الازمة وحتى اليوم، علما أن وزير المال برر طلبه هذا “بغية الحد من الفوضى وعدم المساواة بين المودعين على خلفية عدم انتظام العمل في القطاع المصرفي، وتعثر الالتزام بالضوابط التشريعية”.

القرار أثار اعتراضات عدة، بينها لرئيس لجنة الادارة والعدل النائب #جورج عدوان الذي أكد لـ”النهار” أنه “يشكل هرطقة قانونية واضحة، كونه يحاول شرعنة الجريمة التي يستمرون بارتكابها منذ أكثر من 3 سنوات من خلال الممارسات المالية والنقدية والمصرفية”. فهذا القرار، برأيه، “يضرب التراتبية القانونية التي تتجلى بالدستور أولا، ومن ثم القانون، ومن بعده المرسوم، وأخيرا القرار”. من هنا، يؤكد عدوان أنه “لا يمكن اصدار قرار كالذي صدر عن مجلس الوزراء كونه يخالف الدستور والقانون، ويضرب مبدأ فصل السلطات بتعدّيه على السلطة التشريعية التي أصدرت قوانين في هذا الصدد”. ومن هذا المنطلق يعتبر عدوان القرار “عملا اداريا صادرا عن سلطة ادارية غير صالحة لاصداره، وتاليا كأنه لم يكن، عدا أنه يمس بقرار سبق لسلطة قضائية ان اتخذته (قرار لمجلس الشورى رقمه 213/2020 الذي أوقف تنفيذ التعميم 151)”.

بالنسبة الى مرتكزات القرار، يقول عدوان: “صحيح أنه يتعلق باتخاذ قرارات ضرورية حيال سحوبات الودائع والتحاويل وفقا للتعاميم ذات الصلة، ولكن هذه التعاميم مرتكزة على المادتين 74 و147 من قانون النقد والتسليف. فالمادة 74 تنص على أن من مهام مصرف لبنان المحافظة على سلامة النقد كما سلامة المصارف والسوق النقدية والمالية، أما المادة 147 فتنص على استخدام الوسائل التي من شأنها تسيير عمل مصرفي سليم، وحسن علاقة المصارف مع مودعيها، بما يعني أن المواد التي يرتكزون عليها مناقضة تماما لما يقومون به فعلا”.

ولكن ما الهدف من القرار؟ برأي عدوان ان القرار “محاولة فاشلة لشرعنة تعاميم مصرف لبنان، ومنصة صيرفة، والهيركات الذي اعتمدوه”. فالتعاميم المتعلقة بهذه الاجراءات هي وفق ما يقول “تعاميم غير دستورية كونها تمس بالمُلك الخاص، وغير قانونية كونها تتعرض للمادة 307 (موجبات وعقود) التي تنص على رد الوديعة بقيمتها الفعلية وكأنها “محفوظة بصندوق خاص”. كما أن الحكومة من خلال هذا القرار تحاول بقرار “شرعنة الكابيتال كونترول” الذي تم إعداده بالامر الواقع، فيما هو يحتاج الى قانون”.

وفي السياق، كشف عدوان أنه “في 9 كانون الثاني 2020 ارسل حاكم مصرف لبنان كتابا الى وزير المال يطلب فيه اتخاذ الاجراءات القانونية من السلطة ذات الصلاحية، اي مجلس النواب، لتكليف مصرف لبنان بالصلاحيات الاستثنائية، بغية اتخاذ كل الاجراءات التي قام بها منذ ذلك التاريخ حتى اليوم. وبما أن مجلس النواب لم يعطِ حاكم مصرف لبنان صلاحيات استثنائية، عمد مجلس الوزراء، على رغم أنه بحكم تصريف الاعمال، الى اصدار قرار في هذا الشأن يعطي فيه مصرف لبنان صلاحيات استثنائية لشرعنة الاجراءات التي قام وسيقوم بها”.

كما كشف عدوان أنه “سيتم الطعن بالقرار خلال الاسبوع الجاري من قِبل أكثر من شخص أو فريق، وسيقبل مجلس الشورى بالطعن بناء على كل الأسباب القانونية التي ذكرتها”.

محامي جمعية مصارف لبنان أكرم عازوري، الذي أقر بأنه “من حيث المبدأ، إن وضع الضوابط على السحوبات يجب أن يصدر بقانون”، إلا أنه في المقابل استند الى وقائع عدة لتبرير قرار الحكومة لتمكين مصرف لبنان من اللجوء الى هذه الضوابط الموقتة في انتظار أن يعود مجلس النواب الى صفته التشريعية. هذه الوقائع، حددها عازوري “بالظروف الاستثنائية التي نمر بها، والمجلس النيابي حاليا هو هيئة ناخبة، والحاجة ملحّة الى وضع تنظيم لأزمة السيولة في القطاع المصرفي، وضرورة مراعاة مبدأ المساواة بين المودعين حيال التحويلات بالعملات الاجنبية، واستمرارية المرفق العام النقدي. كل هذا يجعل طلب الحكومة من السلطة النقدية تنظيم هذه الامور أمرا مقبولا”.

أما عن امكان التزام المصارف بهذا القرار، فقال: “مبدئيا القرار يجب أن ينفَّذ، فتنظيم المرفق العام لا يحتمل الفراغ، وايجاد اطار تنظيمي موقت لضبط كل هذه الامور لا يزال أفضل بمئة مرة من بقائها من دون تنظيم، في انتظار وضعها بإطار قانوني دائم. فاستمرارية المرفق العام والظروف الاستثنائية تبرران التنظيم انطلاقا من أن المصلحة العامة هي فوق كل اعتبار”.
ولا ينفي عازوري وجود “كابيتال كونترول” أمر الواقع، خصوصا أن ثمة أزمة سيولة، وتاليا لا يمكن للمصارف التسديد للمودعين كافة دفعة واحدة وفي الوقت عينه، وما حصل في الولايات المتحدة والكريدي سويس خير دليل على ذلك (BANK RUN).

وعما اذا كان قرار الحكومة يشكل حماية للمصارف من الدعاوى القضائية ضدها، يؤكد عازوري: “من دون شك، كل حكم يصدر بحق اي مصرف لبناني سواء في لبنان أو الخارج لمصلحة اي مودع هو عمليا مضر بسائر المودعين، من هنا فإن الاطار التنظيمي الذي طلبته السلطة التنفيذية والذي يتوجب على مصرف لبنان التجاوب معه، وإن بشكل موقت، هو ضرورة لمعالجة الخلل والتمييز بين المودعين”.

من المعروف أن قانون “الكابيتال كونترول” يرمي إلى تحقيق ثلاث نقاط أساسية أهمها: ضبط سقف السحوبات النقدية للمودعين داخل الأراضي اللبنانية، وضع قيود على خروج العملة الصعبة من الأراضي اللبنانية، فضلا عن إيقاف الدعاوى القضائية المقامة ضد المصارف.

القاضي السابق والمحامي فرنسوا ضاهر يربط الهدف الأول من قانون “الكابيتال كونترول” بقرار مجلس الوزراء الصادر في شهر نيسان الماضي الرامي إلى الطلب من المصارف التقيد بتعاميم مصرف لبنان لجهة تحديد سقف السحوبات التي يحق للمودعين سحبها من المصارف. ويرى ضاهر أن القرار المذكور جاء تطبيقا لتعاميم “المركزي”، خصوصا لناحية الطلب من المصارف التعامل مع المودعين بشكل متوازن ومتناسب ومتساوٍ من دون أي استنسابية أو تفرقة بينهم، مرجحا إصدار القرار إثر عملية اقتحام المودع الأردني الأخيرة لبنك الموارد ونجاحه في تهريب ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار “كاش”.

واعتبر ضاهر أن القرار الصادر عن مجلس الوزراء هو أقرب إلى “التوصية” تجاه المصارف اللبنانية للتقيد بإجراءات المصرف المركزي من خلال تعاميم “ملزمة” في تنظيم السحوبات النقدية داخل هذه المصارف.

بالنسبة الى وضع قيود على خروج العملة الصعبة، لفت ضاهر الى عدم قدرة مصرف لبنان على تنظيم خروج الأموال خارج الأراضي اللبنانية في ظل الحرية المتاحة لدى المودعين عبر بطاقات الإئتمان في إدخالها وإخراجها. لذلك جاء قانون “الكابيتال كونترول” ليضع القيود عليها.

وفي وقت لا يزال الخلاف قائما بين القضاء والمصارف بسبب إلزامها بسداد الودائع المحتجزة لديها، بناء على الدعاوى المقدَّمة من مودعين ضدها وعجز المصارف بدورها عن سداد تلك المستحقات وإعلان إضرابها وإقفال أبوابها، شدد ضاهر على أهمية الخطوة الثالثة من القانون الرامية إلى إيقاف تلك الدعاوى.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...