حزب الله - السعودية… خطوات نحو التقارب

 

من غير المنطقي عزل التغييرات السعودية الديبلوماسية المنوي إجراؤها في بيروت عن السياسات السعودية العامة المعتمدة على طول الإقليم. فإذا كانت الرياض قد قرّرت التقارب مع طهران وأنجزتا سوياً إتفاقاً تاريخياً برعاية صينية في بكين، وقرّرت إنهاء حرب اليمن، مع ما يرافق ذلك من جلوس مع "الحوثيين" وإعتراف بهم، وإجراء مصالحة مع دمشق، والإعتراف مجدداً ببشار الأسد رئيساً منتخباً، واستكمال مسار التقارب السياسي في بغداد، فما الذي يمنعها من توسيع الإطار حتى يشمل إجراء تغييرات على مستوى سياساتها في بيروت، والجلوس مع "حزب الله" والتفاهم معه حول نقاط خلافية كثيرة؟

عملياً، أدخل أصدقاء الرياض في بيروت تعديلات جوهرية في الأدبيات السياسية المعتمدة في مقاربة العلاقة مع الحزب أخيراً. بينهم من ذهب لتبنّي "نظرية" حديثة، مفادها جدوى التقارب مع "حزب الله" والشروع في حوار معه للتفاهم حول كيفية إدارة الوضع الداخلي للبلاد، ضمن ما يمكن تشبيهه بإطار "فترة إنتقالية". يشبه هذا المسار "العقلانية" و "الواقعية" التي تعتمدها فرنسا في مقاربة علاقاتها مع الحزب، ومحاولة تجييرها ضمن استفادة داخلية.

تترافق التعديلات مع أخرى تجري ملاحظتها على المستوى الديبلوماسي الأعمق. لا يمكن إبعاد احتمال استبدال السفير السعودي في بيروت وليد البخاري بالمستشار في الديوان الملكي أحمد بن عبد العزيز القحطان، كأنه مجرّد تغيير ديبلوماسي دوري وطبيعي، إنما لا بدّ من النظر إليه ضمن الإطار التقني الواسع، ويرتبط بالمتغيّرات الجاري تنفيذها.

في المقابل، ثمة تبدلات واضحة دخلت على أدبيات الحزب السياسية المعتمدة في مقاربة الملف السعودي. مثلاً، لوحظ أخيراً أن قناة "المنار" أقلعت عن ترداد عبارة "العدوان السعودي على اليمن" خلال نشرات الأخبار. يترافق ذلك مع "حماوة" دخلت على خط مقاربة مسؤولي الحزب للعلاقة مع السعودية، وبات "حزب الله" مستعداً للجلوس مع المملكة متى قرّرت الأخيرة ذلك.

عملياً تُدشّن السعودية سلسلة إجراءات أساسية ستقود إلى هذه الخطوة حتماً. تغيير السفير السعودي يأتي على درجة عالية من الأهمية. فلا يمكن مثلاً أن تجري التغييرات باستخدام "عدة الشغل القديمة". على مستوى "حزب الله"، تسمع كلاماً إيجابياً جداً حول التغييرات التي تجريها المملكة العربية السعودية على سياساتها بشكل عام. لغاية الآن، وبحسب مصدر مقرّب من الحزب، لم تطلب الرياض فتح قناة مع "حزب الله" أو الجلوس معه بعد، وليس ثمة ما يؤشِّر خلال الوقت الراهن إلى وساطات تجري على هذا الخط.

لكن التغييرات الجارية يرصدها الحزب ويقاربها من منظار الرسائل الإيجابية التي تأتي بالتدرّج، وهي غير بعيدة عن نهج إعادة التموضع السعودية في مقاربة كافة المسائل السياسية العالقة. لكن هذا المسار ليس من الضروري أن يصل إلى خواتيمه خلال مدة تقدّر بأيام أو أسابيع. فلإنضاج هذا المسار ظروفه وحاجته إلى تمهيد وتقديم وإدارة، وكل ذلك يأخذ وقتاً.

على مستوى القوى الحليفة للرياض في بيروت، من الواضح أن اللا - توازن السياسي ما زال يحكمها كنتيجة طبيعية لخيارات الرياض المستجدة. ضمن هذا المسار، لا بدّ من الإشارة إلى أن الرياض تتعامل مع المتغيّرات باستقلالية تامة كحقّ مكتسب لها من دون الحاجة لإطلاع القوى الحليفة عليه، وهو سلوك سياسي سعودي ليس بجديد غالباً.

يمكن رصد هذا المعطى من خلال الضياع الناتج عن عدم التوازن لدى قيادة "القوات اللبنانية" في معراب، التي تعيش اليوم تحت تأثير التغييرات السعودية المفاجئة. لا يخفي رئيس حزب "القوات" سمير جعجع صدمته من "السلوك السعودي".

مضت أسابيع و"الحكيم" ينتظر تفسيراً سعودياً حول ما حدث دون أن يحصل عليه، فيما التسريبات تقود إلى أن السفارة السعودية في بيروت تنتظر إشارة تردها من الرياض للتحرّك تجاه الحلفاء. ثمة عتب سعودي تحديداً على جعجع، ناجم عن مواقفه التي تناولها أو أطلقها أخيراً، دون أن يعني ذلك طلاقاً سعودياً. رغم كل "الوجع" ما زال جعجع يعتمد نهجاً مسالماً تجاه السعودية يجسّده خلال لقاءاته الداخلية مع كوادره.

في الحديث حول احتمال استبدال السفير السعودي، يعتبر جعجع أن السفير الجديد المقترح لا يقلّ شأناً عن سلفه البخاري بالنسبة إلى تفضيله للعلاقات مع القوى التي يسمّيها جعجع سيادية، ونمط مقاربته للمسائل الداخلية، إنما يبتعد أكثر في اعتبار أن السفير الجديد "يفضّل العلاقة مع القوات" إن لم يكن قد نصح سلفاً في المحافظة عليها.عملياً، يقلِّل جعجع من أهمية التطورات والتغيّرات السعودية المرتقبة، ويشدّد على أن ما يجري كناية عن "تكتيك".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...