سيسجّل التاريخ: في لبنان يغتني أصحاب المصارف على حساب أصحاب الودائع

 

سنخبركم قصة مجنونة، مئات الآلاف من اللبنانيين هاجروا ليعملوا او عملوا في لبنان بكدّ كل حياتهم لتأمين لقمة عيشهم ومستقبل عائلاتهم، جمعوا اموالاً بعرق جبينهم وأودعوها في المصارف اللبنانية. وقعت الأزمة، فحجب مصرف لبنان المركزي والمصارف، الودائع عن الناس.

ونشط الخبراء والمحللون في وسائل الاعلام، منهم من يقول انّ الودائع تبخّرت وطارت، ومنهم من يقول انّ المصارف أفلست، ومنهم من يقول انّ الودائع لن تعود قبل زمن طويل.

 

اذاً، هل أفلس اصحاب المصارف نهائياً وباتوا تحت الحضيض؟واليوم يأتي خبراء جدد بنظرية جديدة ليقولوا انّ الودائع لم تتبخّر، بل هي موجودة، ولكن استردادها مرتبط برفع السرّية المصرفية في لبنان.

 

وكأنّه لولا السرّية المصرفية لكانت الدنيا بألف خير، وكأنّ السرّية المصرفية هي المسؤولة عن مشكلاتنا وعن الفساد في لبنان.

 

بالإضافة إلى الخبراء المتعددين، هناك اجواء تيئيس تمّ بثها بين الناس، مفادها انّ المصرف المركزي أضاع القسم الأكبر من الودائع ولا مجال لإرجاعها. كل هذه الإشاعات السلبية هدفها بث اليأس في نفوس المودعين ليقتنعوا بما هو ضئيل.

 

هؤلاء الخبراء يقومون بتضييع الموضوع وأصل المشكلة، منهم من هو مكلّف القيام بهذا الدور خدمة لأهداف محدّدة، ومنهم الآخر من يرتكب ذلك عن عدم دراية او معرفة، لأنّ لا أحد منهم اهتم بالمطالبة بالتقارير المدققة من شركتين عالميتين «ديلويت اند توش» و»ارنست اند يونغ» على حسابات المصرف المركزي، تقاضتا اموالاً على مدى 25 عاماً للتدقيق في حساباته. فكيف يُعقل أن لا يهتم احد بهذه التقارير ومضمونها؟ وإذا كانت الشركات قد قامت بعملها بحرفية الا يهتمون بملاحقة هذه الشركات لو ثبت انّ التقارير غير سليمة؟ هل من المقبول ان يأخذوا اموالنا ولا يحق لنا ان تُنشر هذه التقارير بشفافية لنطلّع على مضمونها؟ ولماذا لا يهتمون بطرح الاسئلة التي وجّهناها مراراً في مقالات سابقة، والتي نطلب فيها الإجابة عن حجم ما أخذه المصرف المركزي وما أرجعه؟ وغيرها من الاسئلة، وإجراء تدقيق على الأجوبة التي سيقدّمونها إذا قدّموها؟والأغرب اليوم، هذا الإصرار على ملاحقة قانون السرّية المصرفية والتبشير بأنّ الغاءه هو الحل الرئيسي، وهذا مستغرب طالما انّ لبنان وقّع كل الاتفاقيات التي تلزمه بتقديم معلومات وقت الحاجة، وطالما يتمّ تعديل رفع السرّية بإشارة قضائية إذا تمّ الاشتباه بقضية فساد. لماذا الإصرار على حرمان لبنان من هذه الميزة، طالما انّ هناك حلولاً لمواضيع الفساد وتبييض الاموال وغيرها؟ ونشدّد على أهمية السرّية المصرفية للاقتصاد اللبناني، وهذا سنأتي على ذكره في مقالات لاحقة.

 

نحن يهمّنا ان نعرف كيف أُخذت الودائع ومن أخذها، علماً انّ هذه الاموال لم تؤخذ من حسابات افراد (ابو ملحم او ابو فؤاد...) بل هي مبالغ كبيرة ضاعت بين المصرف المركزي والمصارف، وبقيت الحسابات تُظهر أنّ ابو ملحم يمتلك كذا او كذا ولم يتمّ مسّها حسابياً (وهنا أتى مهندسو التعتير وابتكروا وسائل ملتوية لتقليص حسابات ابو ملحم وابو فؤاد و...)، نكرّر انّه تمّ أخذ مبالغ كبيرة من مجمل الودائع في المصارف وليس من حسابات فردية، وبالتالي لا دخل للسرّية المصرفية في ذلك.فبدل رفع السرّية المصرفية عن ابو ملحم المعتّر، فلنبدأ بالتقارير المدققة للشركتين المذكورتين أعلاه على المصرف المركزي، ولندقّق في حسابات المصارف التي تمتنع عن إعادة الودائع، وحينها نكتشف أين ذهبت الودائع!ونكّرر انّ الودائع أخذها المسؤولون الكبار في المصرف المركزي والمصارف، ولا سمح الله، شاركهم بعض كبار القوم!! هذه المبالغ هي مسؤولية المصارف واداراتها، والمصرف المركزي وإدارته والحكومات المتتالية، ومسؤوليتهم ان يرجعوها، وهناك طرق متعدّدة ذكرناها مراراً لإعادتها، حتى لو لم يتمّ تحصيل الأموال المسلوبة. اما إذا كانوا لا يعرفون كيف يرجعونها فعليهم التنحّي عن الحكم، لأنّ هناك عقولاً لبنانية كثيرة قادرة على ان تعيد الأموال وتضع الاقتصاد على السكة الصحيحة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...