عودة البحرين إلى لبنان أول الغيث العربي

 

لم يكن حبر القرارات التي اتخذتها القمة العربية في جدة قد نشف حتى قررت مملكة البحرين إعادة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، والتي قُطعت قبل فترة طويلة. هذا القرار كان مفاجئًا لبعض الذين لا يريدون أن يقرأوا بين السطور، ولكنه لم يكن مفاجئًا على الاطلاق للذين قرأوا جيدًا في كتاب التطورات المتسارعة منذ إعلان بكين عن تفاهم سعودي – إيراني، وقرار إعادة سوريا إلى الشرعية العربية، خصوصًا أن هؤلاء تابعوا عن قرب ما سبق قمة جدة من اتصالات ديبلوماسية قامت بها أكثر من جهة، وذلك من أجل تثمير اعلان بكين على المستوى العربي، وبالأخصّ بين الدول التي يشوب العلاقات بين بعضها البعض توترات متنقلة وموسمية. 

وعودة البحرين إلى لبنان بما تعنيه من الناحية السياسية إقليميًا وعربيًا أن المملكة العربية السعودية، التي بدأت بانتهاج سياسة انفتاحية جديدة، قرّرت أن تكون لعلاقتها بكل دول الجوار ما يميزّها، وما يساهم في تحقيق الأهداف التي رسمها ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، والتي تقوم على قاعدة 2030. وهذا ما بدأ يلمسه جميع الذين يزورون المملكة هذه الأيام، من حيث ما يلاحظونه من انفتاح وتأقلم مع التطورات الحديثة والتعامل معها من منطلقات علمية بحتة، مع ما تشهده المملكة بالتوازي من نقلة نوعية في التنوع الثقافي والفني. ولأن ما بين البحرين والسعودية من وحدة حال فإن بعض المحللين يعتقدون جازمين بأن القرار المتخذ في المنامة لم تكن الرياض بعيدة عنه، إن لم نقل بأنه جاء نتيجة تواصل مشترك، وهو يعدّ في الاستراتيجيات الديبلوماسية مقدمة بالنسبة إلى ما يمكن أن تقدم عليه السعودية من خطوات قد تكون متقدّمة بالنسبة إلى عودة علاقتها بلبنان إلى سابق عهدها، ولكن على قاعدة المصالح المشتركة، وبما يمكن أن يخدم المشروع التطويري لدول المنطقة، والتي للبنان فيها حصّة متمايزة، وذلك نظرًا إلى ما لدوره الانفتاحي من تأثير إيجابي على المشروع الذي يُعمل عليه، والذي بدأ بالتقارب السعودي – الإيراني، وما سيليه من خطوات تأثيرية في اليمن والعراق، امتدادًا نحو سوريا ووصولًا إلى لبنان، من خلال العمل على تعزيز فرص السلام بين اليمنيين، وترسيخ قواعد الاستقرار في العراق، وبداية تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية وسوريا والمباشرة بالأعداد لمرحلة إعادة اعمارها تمهيدًا لعودة تدريجية للنازحين السوريين من لبنان والاردن وتركيا، إضافة إلى تكثيف الجهود لكي يتمكّن اللبنانيون من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون مفتاحًا لمرحلة استعادة لبنان لعافيته الاقتصادية والاجتماعية. 

وليس مستغربًا أن يكون قرار البحرين تجاه لبنان قد جاء نتيجة المهمة التي قام بها وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان لبيروت، وما دار بينه وبين الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله من حديث حول ضرورة أن يواكب "الحزب" الانفتاح السعودي – الإيراني بما يتناسب ودقّة الموضوع وحساسيته، وما يعّوَل على الدور الذي على "حارة حريك" أن تلعبه في هذه المرحلة، والتي تتطلب التعامل مع مجرياتها بكثير من الحكمة والتعقّل والرصانة. 

وفي اعتقاد بعض المصادر الديبلوماسية أن مملكة البحرين لم تكن لتتخّذ مثل هكذا قرار لو لم تكن قد تلقت ضمانات أكيدة من أكثر من جهة إقليمية بأن "حزب الله" سيلتزم عدم التعاطي مع الداخل البحريني كما كان يفعل قبل سنوات. وفي ذلك مؤشر إلى أن ما سيلي هذه الخطوة المتقدّمة ستتلوها خطوات عربية أخرى تجاه لبنان، وقد تكون عودة المصطافين الخليجيين إلى الربوع اللبنانية إحدى هذه المؤشرات الإيجابية.   

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...