المدرسة الرسميّة اللبنانيّة... أم السوريّة؟

 

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

من خلال متابعة ملفّ المدرسة الرسميّة، في لبنان، لا سيّما في السنتين الدراسيّتين الأخيرتين، يبدو أنّ قضيّة النازحين السوريّين تُرخي بظلالها على هذا الملفّ، إلى حدّ قدرتها على إحداث تغييرات جذريّة فيه، ليست لمصلحة التلميذ اللبنانيّ، وبالتالي المعلّم في القطاع الرسميّ.

من الواضح جدّا أنّ الحكومة اللبنانيّة تركَت المدرسة الرسميّة تتّجه نحو الهاوية، ولم تعمل بحدّ أدنى من الجدّيّة والعدل، لحماية معلّمي القطاع الرسميّ من الجوع. وقد سعى وزير التربية بأسلوب الترغيب والترهيب، للضغط على المعلّمين بهدف تعليق إضرابهم، وكان ترهيبه بيدِه، إذ استعان بالقانون وبمدراء المدارس ومعلّمي الأحزاب، لقمع أحرار المعلّمين، أمّا ترغيبه فكان هَشّا لأنّه لم يستطع تأمين مساعدة ماليّة متواضعة تجعل وصول المعلّم إلى مدرسته ممكنا، ما يعني أنّه استعمل العصا، وظلّت الجزرة بعيدة من متناول يده.

وفي تقييم مختصَر، نستطيع القول إنّ التلميذ النازح نال تعلّما جيّدا، لأنّه محميّ بمساعدات خارجيّة، من خلال مفوّضيّة اللاجئين، والمؤسّسات الإنسانيّة العالميّة. بينما التلميذ اللبنانيّ، في المدرسة الرسميّة، خسر التعلّم الذي كان من المفترض أن يحصل عليه كاملا في هذا العام الدراسيّ. وسبب ذلك الظلم الكبير أداء وزير التربية، في الدرجة الأولى، والمساعدات الخارجيّة التي تساهم في توطين النازحين عندنا، من خلال الدعم الذي لا يشوبه تقصير. أمّا الحكومة اللبنانيّة ووزير التربية وزعماء التوطين فاستجابوا لتثبيت مسار التوطين، بقصد او بغير قصد.

وما زاد الطين بلّة إصرار وزارة التربية على إجراء الامتحانات الرسميّة، بما أمكن، وبمَن حضر، على الرّغم من أنّ البرامج الدراسيّة لم يُنجَز ربعُها بعد، ومن التلاميذ اللبنانيّين، حتى اليوم، مَن لا يزال في بيته لأنّ ثانويّته الرسميّة لا تزال مقفَلة.

إذًا، لا سنة دراسيّة تُذكَر، ولا عدل في إجراء الامتحانات. ومن الآن تتّضح صورة العام الدراسيّ المقبل: معلّمو المدرسة الرسميّة مضرِبون، لأنّهم لم يحصلوا على الحدّ الأدنى الذي يمكّنهم من مزاولة عملهم في العام الآتي. وأمام هذه القراءة الواقعيّة، غير الخافية عن الحكومة ووزارة التربية و"مافيا" التوطين، لا حلّ إلّا بدمج التلامذة النازحين مع التلامذة اللبنانيّين، في الدوام العاديّ، ويكون بذلك الدمج دعم من الخارج بالدولار لتلاميذ النزوح يساهم في تحسين رواتب المعلّمين...

لم يعد أيّ أمر مستغرَبًا على مستوى التعليم الرسميّ، غير أنّ الدمج، في حال حصوله، يعني تحوُّل المدرسة الرسميّة عندنا بديلا من المدرسة السوريّة، وخطوة ثابتة ومقلِقة في طريق النازحين إلى التوطين. إضافة إلى أنّ السواد الأعظم، من اللبنانيّين الذين يلجأون إلى المدرسة الرسميّة، سيغادرها لأنّها لن تعود لبنانيّة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...