حارسٌ رئاسي على القصر

 

تمنَّى عليَّ صديقٌ أحترمُ رأيهُ كثيراً وأُجلُّ رغباتِه، بأنْ أتناول في مقال: «تحديد مفهوم السيادة والسياديّين، وديمقراطية المعارضة والمعارضين، وأهداف الثنائي الشيعي، على أنني بأجوائـهِ عليم».ولكن، بسبب اختلاط المفاهيم وانقلاب المعاني الوطنية والسيادية والديمقراطية، وقد أصبحتْ عندنا تشكّل خرافةً تاريخية، فإنّني أتّـهيّبُ الخوض في مجاهلها خشيةَ أن أخفـقَ في الإمتحان.

عذراً... يا صديقي.

بلى... لعلّني أُلملمُ بعض ما علِـقَ في الذهن من مقاعد الدراسة، فكان للسيادة على ما أذكر بعضُ التسمياتِ حسب المصطلح الفلسفي: فهناك سيادة الوطن، وسيادة الدولة، وسيادة القانون، وسيادة الشعب التي إسمها الديمقراطية.

 

هذه الديمقراطية التي ابتكرها اليونانيون منذ القرن الخامس قبل الميلاد، لا تزال تتعثَّرُ بالسيادة عندنا، فلا السيادة ولا الديمقراطية وصلت إلينا معافاةً منذ ذلك العمق التاريخي حتى اليوم.واليوم أيضاً، يُطرح عندنا نوعٌ جديد من السيادة، هو «سيادة» الإستحقاق الرئاسي، وقد جعلناها ككلِّ سيادةٍ سلعةً في سوق العبيد، تُبـاعُ وتُشرى، ويُشرى العبـدُ معها، ومع كلِّ عبـدٍ عصا.


ما يثيرُ الإستغراب، أنّ الدول التي حولنا، والدول التي حولها - يا رعاها الله - يُعلن أقطابها أنّهم «لا يتدخّلون في هذا الإستحقاق بل يباركون أيَّ رئيسٍ ينتخبـهُ اللبنانيون..»


وتعجبني كلمة يباركون، وكأنّ السفراء الذين يحومون حـول الأحزاب والنواب يتحلّقون بأجنحة الروح القدس، لا بأجنحة الطيور الكاسرة للإنقضاض على الفريسة.


وكدنا نصدّق أنّ الدول العربية والخارجية لا يعنيها أمـرُ لبنان بما يمثّـل من تراث حضاري، وموقع جغرافي، ومجتمع تعدّدي، وحجمٍ إغترابي، وإلاّ.. فلماذا يتصارعون على أرضه ولم يكن أيُّ استحقاقٍ في لبنان، إلاّ كان لهذه الدول يـدٌ في التنصيب على العرش، كأنّ لها فيه إرثـاً مُلْكيّاً، كمثل ما ورثَ هنري الثامن عن أسلافه ملوك الإنكليز بأنّ لهم الحـق في تاج فرنسا.

 

الدول تبارك الرئيس الذي ينتخبه اللبنانيون...

واللبنانيون عاجزون عن انتخاب الرئيس إلاّ بمباركة الدول...

 

والمجلس النيابي منقسمٌ إلى معسكرين متواجهين في حالة استنفار قتالي، ولا يملك أيٌّ منهما السلاح الدستوري الذي يكفلُ الحسم.موقف الثنائي الشيعي من رئيس المردة سليمان فرنجية يكاد يكون موقفاً استراتيجياً غير خاضع للمراجعة والتراجع، لأنّ الموقف السياسي بالنسبة إلى الثنائي الشيعي يتَّخـذُ صفـة القرار.

 

وهناك معارضة تعارض نفسها، ومستقلّون يستقلّون عن المعارضة، وتغييريّون متغايرون، وباسيليّون خوارج يتنافسون بضراوة مع القواتيّـن، وصدى الضجيج يـردّد قـولَ شكسبير في إحدى مسرحياته: «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً».إذا سقط الرهان اللبناني على الإستحقاق الرئاسي، وإذا سقط معه الرهان العربي والدولي ولم تتسلّل الأصابع السحرية من المعابر غير الشرعية لإنجاز هذا الإستحقاق، فقد نصبح حكماً أمام هـول الفراغ يتكسّر على الفراغ، كما تتكسّر النصالُ على النصال.

 

سمعنا، أنّ حـلاًّ ابتكره رئيس حكومة تصريف الأعمال من باب تصريف الممنوع من الصرف، بتعيين حارس قضائي على حاكميّة مصرف لبنان في حال شغور رئيس السلطة النقدية، وهذا ينطبق على تغطية شغور رئيس السلطة الدستورية بتعيين حارس رئاسي على قصر بعبدا، وقد شهد هذا القصر في ما سلَف رئيساً للجمهورية لم يكن أكبر من حارس.هكذا، في القرن السادس عشر راجتْ عادةُ حرّاس الزوجات في إسبانيا وإيطاليا، فإذا اضطر زوجٌ من أشراف القـوم إلى الإلتحاق بالحروب ، كان يلجأ إلى تعيين وصيفٍ لزوجته النبيلة يتولّى حراستُها منذ استيقاظها حتى نومها، وأحياناً كثيرة خلال نومها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...