أزمة لبنان الاقتصادية... إلى أين وصلت وفي أي مرحلة نحن وماذا ينتظرنا؟

 

كتبت نوال أبو حيدر في "السياسة":

تعاني الدولة اللّبنانية من أزمات اقتصادية ومالية تجعلها عرضة لاهتزازات بنيويةٍ داخليةٍ خطيرة. ومن الخطأ الاعتقاد بأنّ الأزمة الراهنة هي وَليدة أسباب آنية ومرحلية. فالانكماش الاقتصادي هو نتاج تراكمات لنظام سياسي يحمل في طياته بذور التناقضات والصراعات القائمة.

وبعدما فتح الملف على مصراعيه يبقى الأهم طرح الأسئلة التالية: ما واقع الأزمة الاقتصادية والوضع المالي؟ هل ستنجح الخطط والمقاربات الرسمية في معالجتها؟ كيف ستكون تداعيات هذه الأزمة على المشهد السياسي الداخلي؟ وماذا عن نسبة الفقر في لبنان؟

الانكماش يحاصر الاقتصاد اللّبناني!

لأنّ الأزمة الاقتصادية تعتبر أصل المشكلة القائمة، فإنّ أيّ تطورات إيجابية كانت أم سلبية يجب أن تبدأ من هذا الجانب.

وفي هذا السياق، أكدّ الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور أنيس أبو دياب، في حديث خاص لموقع "السياسة" أنّ "تقريبًا وبحسب آخر تقرير للبنك الدولي من المتوقّع أن ينكمش الاقتصاد اللّبناني في العام 2023 حوالي 0.5%، وطبعًا الانكماش في العام 2022 قدّر بنسبة 2.6%".

وأضاف: "فعليًا الانكماش الحاصل اليوم بالنسبة للأعوام السابقة يُعتبر أفضل حتمًا، وهذا يعود إلى تحسّن الأداء في بعض القطاعات الاقتصادية، سيما في قطاع السياحة، الّذي شهد نموًا في العام الماضي ومن المتوقّع أن يشهد نموًا في هذا العام أيضًا".

وقال: "طبعًا هذا لا يكفي، ويبقينا تحت خطّ الأزمات".

التضخّم يُرهق اقتصاد لبنان!

وفي ظلّ ذلك، لفت أبو دياب إلى أنّ "بحسب آخر التقارير فإنّ لبنان هو البلد الأكثر تضخّمًا في العالم، ولا بد أن نشير إلى أنّ تضخّم الأسعار في لبنان يعود إلى انهيار سعر العملة الوطنية تجاه العملة الأجنبية، ما أدّى إلى انهيار القدرة الشرائية، وبما أنّ التضخّم بالعملة الوطنية تجاوز 3 أرقام ليصل إلى 140 ألف ليرة في مرحلة من المراحل، فبالتالي هذا الارتفاع الشديد في الأسعار يعود إلى تراجع العملة الوطنية".

وعليه، أوضح أبو دياب أنّنا " ما زلنا نستنزف الاحتياطي في العملات الأجنبية، حيث كان في بداية الأزمة 32 مليارًا واليوم 9.4 مليارات، إذًا لا نستطيع الوصل مع المؤسسات المالية طالما لم نوقّع عقدًا مع صندوق النقد الدولي".

ومن هذا المنطلق، لا يستبعد أبو دياب أنّ "الواقع الاقتصادي والمالي في لبنان صعب جدًا، بحيث القطاع المصرفي معطّل، ودائع الناس محتجزة، العملة الوطنية دائمًا مهدّدة والمضاربة شديدة عليها وذلك يعود إلى الشحّ الكبير في الدولار".

الاقتصاد اللّبناني.. هل من حلول؟

وبالعودة إلى مسألة الحلول اللّازمة، وللتأكيد على ضرورة إيجاد مخرج مناسب لما يُعاني منه الاقتصاد اللّبناني، أكدّ الخبير الاقتصادي أنّ " الوضع الحالي لا يعني ذلك استحالة إعادة النمو والنهوض بالاقتصاد، ولكنّنا بحاجة إلى بعض الإصلاحات، وهي أكثر من ضرورية، من جهة إعادة النظر بنفقات الموازنة، ولا بدّ أن يكون لدينا موازنة متوازنة ندرك فيها حجم إيراداتنا ونحدد على أساسها نفقاتنا، ونحاول بشكل أو بآخر أن نحصل على ما يعرف بالفائض الأولي في الموازنة، فيترتب على الدولة اللّبنانية أن يكون لديها مقاربة سليمة للاقتصاد ككلّ ليس فقط للمالية العامّة، عبر إقرار القوانين الأساسية كالكابيتال كونترول، إعادة النظر بقانون القطاع المصرفي وكيفية إقرار قانون له علاقة بدمج القطاع المصرفي أو ربما اعتماد القانون الذي أقرّ في العام 1997".

 وأضاف: "طبعًا إعادة النظر بالإصلاحات في القطاعات الإنتاجية، منها قطاع الكهرباء وقطاع الاتصالات، ولا بدّ من إشراك القطاع الخاص وتطبيق القانون الذي أقرّ في 7 أيلول 2017 وهو قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص".

مقاربة سياسية.. للخروج من الأزمة الاقتصادية!

وفي حديثه لـ "السياسة"، رأى أبو دياب أنّه " يجب أن يكون هناك مقاربة سياسية، أن يكون هناك رئيس للجمهورية يُجمع عليه اللبنانيون وحكومة فاعلة تأخذ بعض الصلاحيات الاستثنائية في المرحلة الأساسية لتوقيع العقد مع صندوق النقد وإعادة وصل ما انقطع مع المؤسسات المالية الدوليّة".

انتشار الفقر في لبنان: انزلاق سريع نحو القعر

وفي ظلّ هذه المشهدية الاقتصادية الصعبة، وفي ظلّ الأزمة المستمرة منذ العام 2019، شدّد أبو دياب على أنّ "حتمًا الفقر سيزداد بسبب ارتفاع حجم البطالة وتراجع القدرة الشرائية، وزيادة الفقر كانت على حساب الطبقة الوسطى من دون أدنى شكّ، والفقر المتعدد الأبعاد بحسب آخر تقرير للبنك الدولي يقدر بحوالي أكثر من 75% ليصل إلى 80%، وهذا الرقم يبدو مرتفعًا جدًا". 

وأردف: "المشكلة أنّنا نعيش في أزمة وفي ظلّ أسوأ إدارة لها، فهي تعود لسوء الإدارة السياسية بالملفات المختلفة سيما ومنها ملفات المنطقة والصراع فيها".

في الخلاصة، بين انكماش اقتصادي ومعدلات تضخّم غير مسبوقة وسقوط للعملة الوطنية وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن اللّبناني، يبقى لبنان تحت نير الأزمات المستفحلة ويبقى المواطن غارقًا في دوامة الفقر والعوز والحرمان إلى حين انتظام العمل المؤسساتي والعمل الدستوري.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...