المدارس الرسمية: الأساتذةُ باتوا خارجَ لبنان والخليج الهدف الأوّل..

 

أسوأ عام تربويّ بتاريخ الجمهورية اللبنانية.. هكذا يوصّف أساتذة القطاع الأكاديميّ الواقع التربويّ في لبنان، إذ عاشوا خلال هذا العام أسوأ مرحلة قد تمرُّ على أيّ أستاذ.فمن وضعٍ إقتصاديّ لم يستثنِ أحدًا، وصولاً إلى سلسلة من الإضراباتِ التّي شلّت العام الدراسيّ، انتهاءً بتخبطٍ بين اللّجان والوزارات والدولة، ضاعَ المعلمُ في لبنان، وبات بقاء أكثر من 85% منهم في دولتهم محطّ خطرٍ على مستقبلهم.ففي عام واحدٍ شهدَ لبنان أكبر، وأوسع هجرةِ أساتذة، لم يشهدها من قبل، ليطرح التربويّون السّؤال التالي:" هل حتمًا سنستطيع إطلاق العام الدراسيّ المقبل؟"

أفواجٌ أفواج
هكذا هو المشهد.. معلمون يهربون من لبنان بالأفواج. فبحسب الأرقام تشير مصادر تربوية لـ "ليبانون فايلز" إلى أن المدارسَ الرسميّة فقدت أكثر من ٦٠٪ من معلميها الذين قرّروا أن يهاجروا إلى دول عربيّة لاستثمار شهادتهم هناك.حنان، معلّمةُ اللّغةِ العربيّةِ هي واحدةٌ من آلاف المعلمات اللّواتي أصبحن بإحدى دول الخليج. تقولُ خلال حديثها مع "ليبانون فايلز" أن معاملَة الأستاذ في لبنان تُشبه معاملة مواطنٍ من الدرجة العاشرة، أو حتّى على ما يبدو لا تَعتبر الدولة بأن الأستاذ هو مواطن، إنّما تصنّفه عبءًا على خزينتها.

تسردُ حنان بحرقة رحلتها الأكاديميّة داخل المدارس الرسميّة والخاصة في لبنان، فتقول: "١٥ سنة قضيتها بين مدارس لبنان، وفي النّهاية لا نستحق أي تقدير.. ولا حتى معاملة بالمثل مع باقي القطاعات التي شهدت زيادات متتالية على معاشات أفرادها."ومن لبنان إلى الإمارات، حطّت حنان، لتبدأ برحلة جديدة لتعليم اللغة العربية، إذ تقول بأن تقدير الأستاذ الذي لقته في الإمارات لن تكن لتحلم به في لبنان. معاشات محترمة، كهرباء، مكافآت، إجازات، تأمين.. وغيرها الكثير من الخدمات، لتقول: "أشكر الله لأنّني وأخيرًا حصلت على التقدير الذي كنت أحلم به."حنان ليست الوحيدة، لا بل إن حسب مصادر تربويّة تشير لـ "ليبانون فايلز" إلى أنَّ شهية الدول العربية وتحديدًا الخليجية منها مفتوحة على أساتذة لبنان، إذ يرون من خلالهم الأدمغة المناسبة لإدارة العملية التربوية داخل مدارسهم، وهذا ما يفسّر كمّ العقود الهائل التي تصل من دول الخليج إلى الأساتذة في لبنان.

الأساتذة ينشلون بعضهم
لا يخفي الأساتذة استعدادهم لترك لبنان رغم الصّعوبات التي قد يواجهونها في الخارج، ومن هنا يصرُّ الأساتذة على مساعدة بعضهم البعض.. كيف لا، وهم الذين ذاقوا من الكأس نفسها.جهاد، والذي هو أستاذ مادة الرياضيات سافر إلى السعودية منذ حوالي الثلاثة أعوام، أي مع بدء الأزمة تقريبًا، وبدأ عمله هناك بظروف كريمة ومحترمة حسب قوله. وبحديثه مع "ليبانون فايلز" يشير جهاد إلى أنَّه استطاع أن يقوم بتأمين سبع وظائف لزملائه في مدارس مختلفة في السعودية من خلال تأمين عقود عمل لهم.

بحسرة شديدة يعبّر جهاد عن شعوره بالخيبة مما حدث في لبنان، ما اضطره إلى أن يتخذ هذه الخطوة، حيث أشار إلى أنّه لن يكون بواردِ التفريط بأيّة فرصة يستطيع أن يؤمنّها لأيّ زميل له، إذ يشدّد على أن الدول الخليجيّة تحاول أن تستقطب أكبر عدد من الأساتذة اللبنانيين نسبةً إلى الإنتاجية التي يستطيعون أن يقدمونها خلال توليهم لمهامهم.

الهجرة لم تستثنِ القطاع الخاص
الخاص كما الرسمي عانى ولكن بنسبة أقل، إذ حاولت المدارس الخاصة خلال هذه الأزمة أن تسيطر على الأمور من خلال فرض رسوم بالدولار الفريش بنسبة معينة، إضافةً إلى زوائد أخرى تخصُّ الإنارة والتدفئة. إلا أنّ كل هذه الزيادات لم تسعف المدارس بالسيطرة على هجرة الأساتذة إذ سجّلت العديد من المدارس الخاصة نسب متفاوتة من الفراغات الأكاديمية لناحية الطاقم الأكاديميّ بمختلف المواد.

كل ذلك دفع إدارات هذه المدارس حسب مصادر خاصة لـ"ليبانون فايلز" إلى الإستعانة بطلاب حديثي التّخرج، أو حتى الذهاب نحو خيار التعاقد مع طلاب جامعيين لم يتخرجوا بعد لأجل تمرير المرحلة، وليملؤوا الفراغ الذي خلّفهُ الأساتذةُ المهاجرون، إذ وصل عدد الأساتذة الذين توقفوا عن التعليم، أو قرروا أن يهاجروا إلى حدود ١٣,٠٠٠ أستاذ منذ العام ٢٠١٩، ومصادر تتوقع أن يكون العدد أكثر بكثير.

أزمة عمر داخل الكادر التعليمي
التخوف لا يتمحور حول استئناف الأعوام المقبلة من عدمها، لا بل إنَّ التّخوف الأكبر يُترجم من خلال جيل الأساتذة الحاليّ، إذ إنّه بالأرقام يصل عدد الأساتذة الذين تتراوح أعمارهم ما بين ٥١ عامًا وأكثر إلى حدود ١٠,٢٠٠ أستاذ، ٣,١٩٣ منهم هم بوارد الإستقالة، أو التوقف عن العمل. كما ويبلغ عدد الأساتذة الذين يعتبرون من الفئة الشّابة حوالي ٣,٠٠٠، ما يبرهن عن أزمة عمريّة كارثيّة داخل الكادر التّعليميّ، خاصةً وأنَّ الفئة الشبابيّة هي الفئة التي يعوّل عليها لناحية مواكبة التكنولوجيا، وإدخال النفس الجديد إلى العملية التعليميّة.

على العموم، القطاع التعليميّ لم يعد معرضًا للخطر، لا بل هو متعايش مع الخطر، وقد دخل مرحلة حسّاسة، إذ تؤكد المصادر بأنّه وبحال لم يتم تدارك هذه الأزمة، فإنَّ لبنان سيخسر أهم قطاع أكاديميّ في الشّرق الأوسط.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...