مساعٍ لترميم العلاقة المتصدّعة بين بكركي وفرنسا

 

سرقت التطوّرات الإقليمية الحاصلة أخيراً الأضواء من الملفات الداخلية على رغم الإرتباط العضوي والمباشر بين ما يحصل في الإقليم وما سيحلّ بالملف الرئاسي، ويبدو واضحاً أنّ لبنان ليس ضمن الأولوية لأن ملفَّي اليمن وسوريا يحتلان المرتبة الأولى في التسوية.

كانت جولة السفير السعودي وليد البخاري على القيادات اللبنانية وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي ضربة قاضية لترشيح رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية، فلم يحمل البخاري معه أي جديد، بل كان هناك تأكيد على “لبننة” المسألة الرئاسية، وهذا الأمر يزيد من التعقيد بسبب عدم قدرة أفرقاء الداخل على الوصول إلى حلّ بسبب غياب التواصل واتّساع الهوّة، والأهمّ هو تكرار البخاري المواصفات الرئاسية التي تتمثّل بضرورة انتخاب رئيس سيادي وإصلاحي وغير منغمس بالفساد، وطبعاً هذه المواصفات لا تنطبق على فرنجية.

وقد تلقّت باريس ضربة كبيرة نتيجة عدم سير الرياض بمرشّح “الثنائي الشيعي” وعدم إقدامها على أيّ خطوة تدلّ على ليونة في هذا المجال، إضافةً إلى اتّساع رقعة الرفض المسيحي من معراب إلى ميرنا الشالوحي، وبالطبع تُعتبر بكركي أول الرافضين للسلوك الفرنسي. وباتت باريس على قناعة بأن موجة الغضب المسيحية والوطنية لن تزول بسهولة، وعلمت “نداء الوطن” أنّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تحدّث بالمباشر مع السفيرة الفرنسية آن غريو وسجّل عتبه على السلوك الفرنسي تجاه الاستحقاق الرئاسي.

وينبع هذا السلوك، ليس من رفض بكركي ترشيح فرنجية الذي تكنّ له كل احترام، بل من تصرّف الإليزيه والسفيرة الفرنسية وكأن المكوّن المسيحي غير موجود فتكتفي باريس بالتفاوض والنقاش مع حارة حريك وعين التينة وطهران متناسيةً الدور التاريخي لبكركي، وكذلك تتصرّف وكأن الإنتخابات النيابية لم تحصل منذ عام تقريباً وقد إختار المكوّن المسيحي نوّابه.

ومن جهة ثانية، هناك علامات استفهام حول كلّ ما يُحكى عن صفقات وسمسرات تتعلّق بالصفقة الرئاسية التي يتمّ الحديث عنها، وهذا الأمر يضرّ بالعلاقات اللبنانية – الفرنسية مثلما يضرب العلاقات المارونية – الفرنسية، فبكركي كانت تعوّل على دور فرنسي للوصول إلى إنتاج سلطة تُطلق مسيرة الإنقاذ لا أن ترعى صفقة تقضي على ما تبقّى من مال عام وتنهش بقايا المؤسّسات التي تُنازع للصمود.

ونتيجة زعزعة العلاقات المارونية – الفرنسية، تتحدّث المعلومات عن دخول عدد من الوسطاء بين بكركي والإليزيه وقد يُترجم هذا الأمر في الساعات المقبلة من خلال زيارة ستقوم بها السفيرة غريو إلى بكركي لإعادة توضيح الموقف الفرنسي من كل ما يجري، في حين تنتظر بكركي خروج باريس بطرح واضح يُعيد تصويب الأمور ويطرح حلولاً متكاملة تُرضي الفريق المسيحي وتكون محطّ ثقة كل اللبنانيين.

ستحاول السفيرة الفرنسية القيام بكل ما تستطيع لاستعادة جزء من الثقة التي فُقدت ببلادها، لكنّ موقف بكركي سيبقى متشدّداً في رفض السلوك الفرنسي ومقترحاته التي تُراعي مصالحه ومصالح بعض السياسيين ولا تتطلّع إلى دور لبنان التاريخي ودور فرنسا في إنشاء هذا الكيان، ويبدو واضحاً أن ما سيحصل هو تمرير للوقت لأن علاقات بكركي والمسيحيين لن تتحسّن بفرنسا إلا بعد تراجع باريس عن دورها الأخير.

وإذا كان الإرتياب والقلق يسودان في بكركي من الدور السيئ الذي تلعبه فرنسا، إلا أن هناك إرتياحاً كبيراً للدور السعودي الذي يتخطّى الزواريب الضيقة، فزيارة السفير البخاري إلى بكركي أرخت بظلالها على عطلة نهاية الأسبوع، وسط تمسّك المملكة بدور بكركي التاريخي وتقديرها البطريرك، ووضعها مواصفات أعاد البخاري تكرارها على مسامع الراعي وأبرزها رئيس سيادي وإصلاحي والإستعداد للدعم في حال قام النواب بالإختيار “الصح” وعدم بيع لبنان في سوق التسويات الإقليمية، وهذا الموقف السعودي هو معاكس بشكل تام لما يقوم به “سماسرة” الإليزيه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...