الإضراب مستمر والتلاميذ "كبش محرقة".. ومعلمات يحولن منازلهن إلى صفوف دراسية

 

جاء في "الحرة": 

لأنهم الحلقة الأضعف، و"كبش محرقة" في الخلاف القائم بين أساتذة التعليم الرسمي ووزارة التربية اللبنانية، قررت ثلاث معلمات من مدرسة زوطر الغربية الرسمية، في جنوب لبنان، إحداث خرق بسيط في "جدار" الإضراب الذي ينفذّه زملاؤهن منذ حوالي شهرين، فحولن منازلهم إلى صفوف مجانية لتدريس  المنهج التعليمي.

هي مبادرة إنسانية هدفها الأساسي، حسبما قالت معلمة اللغة الإنكليزية، سوسن دياب "رفع الظلم عن التلاميذ الذين يدفعون ثمن عدم تلبية السلطة اللبنانية لمطالب الأساتذة المحقة، وكذلك عدم قدرة أهلهم على تسجيلهم في مدارس خاصة لارتفاع أقساطها وبدلات النقل، من هنا كان لابد من الوقوف إلى جانبهم وإضاءة شمعة في طريق مستقبلهم المظلم".

وأعلن المتعاقدون في التعليم الرسمي الإضراب ومقاطعة التعليم الشهر الماضي ردا على "إهانة" وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، بإعلانه "دعم إنتاج المعلمين بـ 5 دولارات يومياً"، وذلك "حتى الحصول على مستحقاتهم المتأخرة كاملة وعلى قرار رسمي واضح عن كيفية احتساب الحوافز وبدل النقل عن هذا العام وتحديد آلية مضمونة لقبض المستحقات المقبلة".

ومنذ إعلان الإضراب، ودياب على تواصل دائم مع تلاميذها عبر مجموعة على "واتساب" للإجابة عن أسئلتهم، إلى أن قررت دعوتهم جميعا إلى منزلها لإكمال صفوف التعليم. وعن ذلك تشرح لموقع "الحرة"، "بدأت الفكرة بعدما زارتني تلميذة لأشرح لها درسا، عندها وجدت أنه من الأفضل لي وللتلاميذ أن نجتمع في منزلي بدلا من أن أمضي طوال الوقت على الهاتف للإجابة عن استفساراتهم، لاسيما وأنهم جميعا من ذات البلدة، وبالتالي لن يتكلف أهلهم بدل تنقلاتهم".

طرحت معلمة اللغة الإنكليزية على تلاميذها وأهلهم الفكرة، فلاقت ترحيبا كبيرا، وبعد أسبوعين من الإضراب، بدأت بتخصيص ساعتين في الأسبوع للصف السابع ومثلها للصف الثامن، وتقول: "كنت أشعر بالحزن حين يذهب ولديّ إلى المدرسة الخاصة التي نقلتهما إليها قبل عامين بسبب الإضرابات، في حين يتابع ابني البكر تعليمه في الجامعة، أما تلاميذي فعاجزون عن ذلك، يمضون وقتهم بين المنزل والشارع محرومين من التعليم من دون أي ذنب".

ضوء في النفق المظلم

حوّلت دياب غرفة الطعام إلى مقاعد دراسية، وتستقبل التلاميذ وتتابع المنهاج معهم كأنهم في المدرسة، فلم يختلف شيئ سوى المكان، وتشرح: "استقبل نحو 20 تلميذا، فأحيانا يصطحب بعضهم أشقاءهم للاستفادة من الدروس في ظل تراجع مستوى تلاميذ المدارس الرسمية سواء بسبب جائحة كورونا التي فرضت التعليم عن بعد لمدة سنتين أو بسبب إضراب الأستاذة في السنة الماضية والحالية، وإذا أردنا مقارنة مستواهم التعليمي مع تلاميذ المدارس الخاصة فسيظهر أن الفرق شاسع جدا وهذا ما ستكشفه الامتحانات الرسمية".

وكذلك فضّلت معلمة الرياضيات هيفاء علّوه الوقوف إلى جانب تلاميذها، ومنذ الأسبوع الأول للإضراب، عرضت على أهلهم متابعة الدروس في منزلها، وبحسب ما تقوله :"أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، ومن المؤكد أنني لست سعيدة بهذا الوضع غير الطبيعي، قلبي يؤلمني على تلاميذ المدارس الرسمية ومن بينهم ولديّ، اللذان نقلْتهما من مدرسة خاصة إلى المدرسة الرسمية التي أعمل بها كوني مطمئنة للمستوى الجيد للأساتذة فيها، من دون أن أتوقع أن يصل الأمر إلى إغلاق أبوابها كل هذه المدة، في وقت تحول الظروف الاقتصادية دون إمكانية تسجيلهما من جديد في مدرسة خاصة مع شقيقهما الأصغر".

تخصص علّوه ثلاث ساعات في الأسبوع لتلاميذها، في محاولة كما تقول لموقع "الحرة" "لتعويض ما فاتهم من الدروس قدر المستطاع، وهم سعداء جدا بإكمال تعليمهم، لكن ما يُفطر القلب، تلاميذ الشهادات الرسمية المنقطعون عن الدراسة، إذ كيف يمكن أن ينجح هؤلاء في الامتحانات، وفي حال رسوبهم يعني أنهم يخسرون سنة من حياتهم، ربما ذلك سيدفع بعضهم إلى عدم الرغبة لإكمال تعليمهم، وسيسيرون في طريق معبد بالأشواك فُرض عليهم".

من جانبها، وضعت معلمة اللغة العربية، خديجة الحاج، نفسها مكان كل أم حُرِم ابنها من متابعة تعليمه بسبب الإضراب، وبالنسبة لها كل مطالب الأساتذة لا تساوي شيئّاً أمام تدمير مستقبل جيل كامل، مشددة على أنه "لا يعني ذلك أني ضد الإضراب أو أن مطالبنا غير محقة، لكن في الوقت ذاته لا أريد أن يلسع التلاميذ بالنار التي تكوي الشعب اللبناني وتكوينا، وتمتد ألسنتها لتحرق سنة دراسية أخرى، تطال أيضا ولديّ اللذين يتعلمان في المدرسة الرسمية، حيث أن الكبير في الصف الثانوي الثاني، والآخر في الصف السابع، لذلك أفضل الاستمرار بأداء مهمتي سواء من منزلي حضوريّاً أو من المدرسة، إذ إن الضيعة ليست كبيرة، ونستطيع الوصول إليها سيراً على الأقدام إن اضطر الأمر".

ولا يخفى على أحد أن سنوات التعليم الأربع الأخيرة في المدارس الرسمية تكاد لا تساوي سنة تعليمية واحدة من السنوات التعليمية الطبيعية، وفق الحاج "وقد زاد الطين بلة إدمان التلاميذ على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أصبح لديهم هواتف منذ خضوعهم للتعليم أونلاين في فترة تفشي وباء كورونا، ما أدى إلى تراجع مستواهم في اللغة العربية، لذلك كان لابد من فتح كوة في النفق المظلم لمستقبلهم، من هنا حملت هذه المسؤولية وقررت الوقوف إلى جانبهم".

عدوى إيجابية

ولم ينعكس الإضراب سلباً على نفسية التلاميذ فقط، بل كذلك على أهلهم، بحسب ما تؤكد إيمان عز الدين، والدة أحدهم، معبرة عن حزنها الشديد لحرمانهم من حقهم في التعليم بشكل طبيعي، وتقول: "ابني في الصف السابع أي أنه في مرحلة تأسيسية تحتاج إلى متابعة عن قرب، نعم خطوة الأساتذة مشكورة جدا لكنها لا يمكن أن تحل مكان المدرسة، لذلك أتمنى أن يفك الأضراب في القريب العاجل، لأن من يدفع الثمن من مستقبلهم هم التلاميذ".

لجأت عز الدين إلى المدرسة الرسمية كونها تثق بكفاءة أساتذتها، لكن إذا استمر الوضع على ما هو عليه لن يكون أمامها سوى التفكير بمصلحة ابنها أي نقله إلى مدرسة خاصة، وإن كان خياراً كما تقول لا تتمنى أن تجبر عليه.

وإلى حين فك الإضراب، تأمل دياب أن تتوسع المبادرة التي أقدمت وزميلتاها عليها، وأن تصبح عدوى إيجابية تطال عدداً أكبر من الأساتذة، وتقول: "ننسق مع بعضنا في تحديد الأيام الدراسية لتلاميذنا، بانتظار أن ينصفنا المعنيون في الشأن التربوي ونعود إلى الوضع الطبيعي، فكل يوم اضراب يمر خسارة على الأساتذة المتعاقدين كون راتبهم ليس ثابتا، بل يتوقف على عدد الساعات التي يعملونها، وقد وصلنا إلى المرحلة أصبح فيها راتب الأستاذ من أدنى الرواتب في الدولة، ومن المعيب أن تعادل ساعة التعليم دولارا واحدا، فهذا استهتار بحقوقنا وبالرسالة التي نقدمها وبمستقبل تلاميذنا".

وعن إقرار الحكومة خمسة ليترات بنزين عن كل يوم عمل فعلي، علّقت: "هذا يتعلق ببدل النقل لكن ماذا عن عملنا هل يتوجب علينا أن نشرح الدروس مجانا".

وتتهم علّوه السلطات السياسية بمحاولة تدمير المدارس الرسمية بعدم اتخاذ أي خطوة جدية لإنهاء الأزمة". وتشرح علّوه: "هذا لا ينفي أني واقعية وأعلم عدم قدرة الحكومة على تلبية كل مطالبنا نتيجة إفلاس خزينة الدولة، لكن بالحد الأدنى عليها تأمين بدل النقل وإعطائنا الحوافز المحددة بالدولار الأميركي، وإذا كان التعليم رسالة، كيف يتمكن الأساتذة من إيصالها في ظل كل الظروف الخانقة التي يعيشونها، فلا راتب يكفي ولا تأمين صحي، في وقت وصل فيه سعر صرف الدولار إلى أرقام خيالية".

ولا تعلم معلمة الرياضيات ما إن كانت ستستفيد من إقرار الحكومة خمس ليترات بنزين بدل نقل عن كل يوم عمل فعلي، كونها من المستعان بهم، أي من الأساتذة الذين تدفع الدول المانحة رواتبهم، وتشرح "يفترض بالمستعان بهم تعليم اللاجئين السوريين في فترة ما بعد الظهر، لكن وزارة التربية تستفيد منهم كذلك في تعليم التلاميذ اللبنانيين في الفترة الصباحية، ورغم أن الدول المانحة تدفع للوزارة بالدولار إلا أن الأخيرة تدفع رواتبنا بالليرة اللبنانية وبتكلفة أقل".

مبادرة الأساتذة وصفتها رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين بـ"الفردية والجيدة"، قائلة: "يأخذ المعلم على عاتقه مسؤولية تعليم الأجيال لكن في ذات الوقت لا يمكنه تأدية واجبه من دون تأمين معيشة لائقة له" لافتة في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "الأزمة التي يمر بها قطاع التعليم الرسمي أدت إلى ظهور فيدرالية تربوية، حيث إن بعض أصحاب النفوذ السياسي في بعض المناطق يمولون المدارس على أساس حزبي ومذهبي لفتح أبوابها، وذلك بدلاً من الضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لإيجاد حلول للأزمة والوصول إلى تطبيق قاعدة ان التعليم حق للجميع".

مستقبل ضبابي

ويوم الاثنين طمأن وزير التربية بأن لديه خطة لإكمال العام الدراسي في المدارس الرسمية، و"الامتحانات لن تلغى وبإمكاننا أن نعوض"، إلا أن شاهين تمنت لو كان لديه خطة قبل انطلاق العام الدراسي "لكان جنبنا ما نحن عليه اليوم".

وعن موقف الأساتذة المتعاقدين بعد إقرار الحكومة إعطاء خمسة ليترات بنزين كبدل نقل عن كل يوم حضور، قالت شاهين: "هو أحد مطالبنا إلا إنه جاء منقوصا، كونه لا يشمل بدل نقل عن العام الماضي، والفصل الأول من هذا العام، وفي ظل الدعوة إلى تكثيف أيام التعليم أسبوعياً يعني أن هناك أياماً لن يحصل فيها الأساتذة على بدل نقل كونه محددا لثلاثة أيام في الأسبوع فقط".

وأضافت: "حق الاساتذة 390 دولاراً حوافز عن أول فصل (130 دولاراً شهريا)، استبدلت الحكومة كلمة حوافز ببدل إنتاجية وأخذت من كل أستاذ 90 دولاراً، ومرّ شهران على الإضراب لم يحوّل منها دولار، وهي حق مكتسب للأساتذة وخارج أي تسويات".

والأمر لا يقتصر على ذلك فقيمة أجر الساعة "100 ألف ليرة للمتعاقد الأساسي المجاز و80 ألف ليرة للمتعاقد الأساسي غير المجاز و180 ألف ليرة للمتعاقد الثانوي يعني بالدولار ساعة المتعاقدين في التعليم الأساسي تتراوح اليوم بين دولار ودولار وبضعة سنتات".

ويقبض الأساتذة المتعاقدين وفق شاهين "مرة كل عدة شهور، ومع ارتفاع الدولار ودون تحديد سعر صيرفة ستضمحل قيمة الساعة إلى نصف دولار، وللزملاء الملاك رواتب ثلاثة أضعاف مع ارتفاع سعر الدولار دون تثبيت سعر الصرف، ستعود القيمة الحقيقية لرواتبهم لا تساوي شيئا، وسنعود جميعا لنركض خلف حسبة الليرة والدولار".

وتحمّل رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، مسؤولية إضراب القطاع التعليمي الرسمي في لبنان وضياع مستقبل الطلاب للحكومة وبشكل خاص وزير التربية، طالبة منه إما القيام بمهامه أو الاعتكاف، مشددة على أن "العودة إلى التعليم رهينة تنفيذه للتعاميم والمراسيم والقوانين الموجودة في أدراجه، ودفعه المستحقات الشهرية لبدلات النقل والحوافز عن العام الماضي والفصل الأول من هذا العام وتحديد آلية الدفع للأشهر القادمة".

المصدر : الحرة

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...