من المؤكد أن افتعال "أزمة الساعة"، وكذلك ما تخّلل مناقشات جلسة اللجان النيابية المشتركة، لم يكونا "بنت ساعتهما"، بل نتيجة تراكمات وممارسات سياسية منذ أن خُيّل للبعض أن اتفاق الطائف قد وضع حدًّا للحرب اللبنانية، التي وضعت رحالها، ولكن على زغل.
فالطائف طًبّق انتقائيا واعتباطيًا، وبالتالي لم يجلس الذين كانوا حتى الأمس القريب يتراشقون بالقذائف إلى طاولة واحدة ويطرحوا كل الهواجس على بساط البحث، ويتصارحوا في شكل شفّاف، ويتناقشوا في كل الأمور غير المحسومة، كمقدمة لازمة لمصالحة حقيقية لم تحصل. وما نشهده بين الحين والآخر من تراشق كلامي ومن اتهامات متبادلة ومن تخوين ليس سوى نتيجة متوقعة لعدم تصفية ما في النفوس، خصوصًا أن ما في النصوص لم يعد صالحًا لإزالة هذا الكمّ من الاوساخ العالقة في الأذهان، والتي تطفو على السطح عند أول هبّة ريح من خلال ممارسات تناقض ما بُني منذ إعلان لبنان الكبير حتى اليوم.
وما بُني على باطل فهو باطل. فالبلاد من دون رئيس للجمهورية؛ ومن دون تشريع؛ ومن دون حكومة تُترك تعمل؛ ومن دون مؤسسات تقوم بدورها؛ ومن دون أفق؛ ومن دون أمن اجتماعي وغذائي، وقد نصل إلى فقدان الأمان بمفهومه الأمني. فالانهيار شامل. والشلل يعمّ كل القطاعات. الفوضى مستشرية. الجميع على أعصابهم، وما حصل في جلسة اللجان أكبر دليل على أن الناس يقفون على براميل بارود. فأي كلمة في غير محلها قد تُشعل فتيل حرب جديدة.
فهذا الكلام بما فيه من واقعية وحقائق يجب أن يكون حافزًا للجميع لكي يقفوا من جديد أمام مرآة الحقيقة غير المشوّهة، وأن يتحمّلوا المسؤولية الملقاة اليوم على شخص واحد دون سواه، وأن يبادروا فورًا إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأن ينصرفوا إلى تشكيل حكومة جديدة، وأن يوقفوا كل هذه المهازل في حق البلاد والعباد.
في النهاية، سيجد الذين يراهنون على وهن أصحاب الإرادات الصلبة أنفسهم معزولين ومرذولين، لأن هؤلاء الذين لا يزالون يؤمنون بأن لبنان هو لجميع أبنائه، وإن باعدت بينهم خلافات يجب حلّها بمواجهة حقيقية وبصراحة مطلقة، مصمّمون على مواصلة ما بدأوا به يوم قبلوا بالتقاط كرة النار بأيديهم العارية. هم غاضبون طبعًا. هم قلقون على المصير، لكنهم حريصون على ألا يتركوا السفينة في عرض البحر تتقاذفها الأمواج العاتية من كل حدب وصوب من دون ربّان.