وقد سجّل المتابعون ايّاهم الملاحظات الآتي ذكرها، والتي تعكس واقع المشهد الرئاسي:اولاً - لم يحصل اي تبدّل في الموقف السعودي من الاستحقاق الرئاسي بحيث ان المملكة العربية السعودية لا تزال تؤكد ان ليس لديها مرشحاً وإنما لديها مواصفات، وهي اذ تعتبر ان هذا الاستحقاق شأن داخلي فإنها تتعاطى معه في ضوء الممارسة وفي هذا السياق يعتبر المتابعون للاستحقاق ان تلك المواصفات السعودية تنطبق على الجميع بمَن فيهم فرنجية، وان اي كلام عن تبدّل في الموقف السعودي هو من قبيل التحليل، كذلك يمكن ان يكون من قبيل التسويق المُحرّف خصوصاً من جهة من يراهنون على موقف سلبي للسعودية من فرنجية، وهم أنفسهم الذين غاظَهم حضوره مؤتمر «الطائف 32» الذي نظّمته السفارة السعودية قبل نحو 3 اشهر في قصر الاونيسكو، والذي اعلن فيه الرجل انّ نشأته السياسية تزامنت مع ولادة «اتفاق الطائف».
ثانياً - انّ دخول قائد الجيش الى حلبة الاستحقاق الرئاسي لا يكون بفِعل الترشيح والتسويق الداخلي، إنما نتيجة توافق دولي في نهاية مؤتمر من اجل لبنان، اذ انّ ترشيحه يقتضي تعديلاً دستورياً توافقياً بين اللبنانيين، وللتوضيح اكثر انه اذا ما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة انتخاب وتنافس فيها عدد من المرشحين فلا يمكن لأيّ نائب ان يصوّت لقائد الجيش، ولا يمكن لهذا الاخير ان يترشح. وبالتالي انّ إجراء اي احصاء كما فعل احد البرامج التلفزيونية الرئاسية لمعرفة حجم التأييد النيابي لقائد الجيش هو في غير محله على الاطلاق.
ثالثاً - اذا تم استعراض النيات الحقيقية لرؤساء الكتل الكبرى في المجلس النيابي لَتبيّن انهم جميعاً لا يؤيدون وصول قائد الجيش الى سدة الرئاسة، وان التمعّن في ما قاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لإحدى الصحف الخليجية يُظهر بما لا يقبل الشك انه لا يؤيد انتخاب قائد الجيش، وذلك عندما ربط تأييده له بالتوافق عليه وقِس على ذلك بقية الكتل التي تؤكد انها لا تدرك حقيقة الرؤية السياسية لقائد الجيش وشخصه وممارساته وفريق عمله.
رابعاً - انّ المسوّقين لفكرة ان قائد الجيش بات على قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة قد أظهروا خفة في السياسة، اذ انهم اعتبروا انّ قبول «الثنائي الشيعي» به ممكن اذا ما قدّم له ضمانات كذلك تَناسوا موقف «التيار الوطني الحر» من ترشيح قائد الجيش في ضوء الكلام الاخير لرئيس «التيار» النائب جبران باسيل عنه، وفي هذه الحال يمكن التأكيد انّ هناك على الاقل نحو 60 نائباً لا يؤيدون وصوله، والسؤال هنا هو: ما الذي يمكن ان يدفع هؤلاء الى تغيير موقفهم ويقبلون بقائد الجيش؟ بالطبع لا شيء، وإن كان هناك ثمة احترام للرجل لديهم وحرص على التعاون معه.
خامساً - ان الموقف الدولي المتجسّد بالدول الخمسة التي ستجتمع بعد ايام في باريس لتحديد مواصفات الرئيس اللبناني يأخذ في الاعتبار تسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي لا عَرقلته، وبالتالي فإنّ هذه الدول تُحاذر كلّما من شأنه الاصطدام برؤية «حزب الله» وحلفائه الاقليميين والدوليين. وبالتالي، ان التسويق لفكرة ان هذه الدول تسعى الى وضع مواصفات تنطبق على قائد الجيش هو في غير محله، لا بل انّ الامر هو العكس ويتجسّد في انّ هذه الدول تريد رئيساً غير صدامي مع «حزب الله» لا بل محاور موثوق له.
سادساً - يرى المتابعون ان ترشيح فرنجية يرتكز على أسس صلبة تتجلى في النَفَس التوافقي الذي يتميّز به، ويمكن تَلمّسه من خلال التأييد الاسلامي بشقيه السني والشيعي الواضح له، ما يعني انّ التسويق على انه مرشح «الثنائي الشيعي» فيه كثير من التجنّي اذا ما أُخِذ في الاعتبار التأييد النيابي السني له وكذلك تأييد عدد لا بأس به من النواب المسيحيين، بالاضافة الى الليونة الاميركية والفرنسية إزاءه، والتي تَلمّسها عدد من الشخصيات السياسية مباشرة لا سيما منها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وفي ضوء كل هذه المعطيات يبقى خيار الذهاب الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية من دون معرفة نتيجتها مُسبقاً خياراً جدياً، ويكون فيه فرنجية الاقرب الى الحصول على تأييد الاكثرية النيابية المطلقة نظراً لجدية العمل على هذا الخيار، وما الضجيج والصخب الاعلامي الحاصل في الآونة الاخيرة سوى تأكيد انّ فرنجية هو على قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة.