من يغيث لبنان؟

 

كتب طوني فرنسيس في "نداء الوطن":

نجا لبنان بأعجوبة من كارثة الزلزال الذي هزّ تركيا وسوريا. اللاذقية وجبلة وحميميم ومئات القرى السورية التي تضررت بشدة على مقربة منه وتُحسبُ المسافة إليها بالساعات.

مع ذلك وقف الاهتزاز المريع على مسافة آمنة، وكان يمكنه بشحطة ثوانٍ أن يجعل من مناطق لبنانية إمتداداً للمأساة السورية والتركية. حظنا وحظ لبنان جيّد هذه المرة. لقد تمّ إعفاؤنا من مصيبة جديدة تُضاف إلى المصائب القائمة والمقيمة من دون الحاجة إلى فوالق، ففيلق واحد يكفي ويزيد.

لنتصور ما كان حلّ بالبلد لو طاله الزلزال الأرضي القريب. مدن وقرى وعشوائيات في كل مكان، سكان يعانون القهر الممنهج منذ سنوات، وإلى جانبهم مئات ألوف النازحين السوريين في غرف وأبنية متآكلة يتشاطرونها سوية؟ من كان سيغيث لبنان لو حصل ما يخشاه اللبنانيون في كل لحظة؟

يمكن توقع الجواب جرياً على العادة. كان أصحاب المليارات في طائراتهم يجولون لطلب الدعم وكان العالم سيحتقرهم مرة جديدة ويشير إليهم كمسؤولين عن «الكارثة المتعمدة» ولو كانت من صنع الطبيعة. لكن الحظّ حالفهم مثلما حالف الأراضي اللبنانية فانصرفوا إلى توظيف كارثة الجيران في سوق صيرفة سياساتهم المحلية.

كانت همروجة التعاطف مع دمشق محاولة لتأطير الخلاف الداخلي وجعله جزءاً من ترسيم حدود الصراع على السلطة. الذين بدأوا الهمروجة لم يتعاطفوا أصلاً مع أبناء بلدهم. قادوا الانهيار المالي والاقتصادي ونظّموا نهب الودائع وقضوا على مؤسسات الدولة لمصلحة الدويلة، وأسسوا لزلزال المرفأ وصنعوه فدمروا خلال ثوان مدينة أكبر من قهرمان مرعش ثم واصلوا ارتدادات فعلتهم بأن قضوا على القضاء الذي يفترض أن يحقق ويحاسب.

لم يكن لبنان بحاجة إلى صفائح تكتونية ليعرف معنى الكارثة، فسياسيوه الممسكون بتلابيبه هم صفائح من قبل التاريخ، تحتك يومياً وتنفث سمومها وخرابها وزلازلها، وما كان لهزةٍ أرضية من غير صنعهم، الّا لتزيد في قدرتهم على مواصلة السيطرة والاستمرار فيها.

هذا ما عنى لهم زلزال سوريا وتركيا. فبدلاً من التفكر والتبصّر واتخاذ القرار السريع بإعادة إيقاف الدولة على رجليها لمعالجة الكارثة القائمة وتلك الطبيعية المحتملة، هبوا لتبييض الوجه في دمشق واستعمال النافذة السورية في استعمالاتهم الشخصية. ليس الأمر لديهم تعاطفاً وواجباً انسانياً وإنما حسابات شخصية موروثة منذ زمن رستم غزالة، وهي حسابات تزداد إلحاحاً لديهم في لحظة الرئاسة ونيل الحظوة لدى ما يمثله النظام الدمشقي من تقاطع مصالح يمتد إلى طهران...

قال لي صديق سوري عندما شاهد الوفد الحكومي في ضيافة الرئيس السوري بشار الأسد أن بلدته قرب حلب صارت انقاضاً و20 من عائلته قضوا تحتها، وهو يشكر الخالق أنه مع عائلته في لبنان، ثم سأل: أليس الأجدى أن ينصرف حكام البلد إلى الاهتمام بإنهاء مشكلات بلدهم، بدل دخولهم بازار البيع والشراء السياسي؟ فنحن أيضاً اشتقنا إلى بلد طبيعي نهرب إليه، إن كان لبنان... أو سوريا!

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...