المحقق الذي لا يَردّ ولا يُردّ... ما علاقة البيطار بجعجع وجنبلاط؟


 كان من المفترض أن يُنهي المحقق العدلي طارق البيطار في 22 شباط الحالي تحقيقاته مع المدعى عليهم الذين حدّد جلسات تحقيق معهم خلال هذا الشهر. ولكنّه اختار في 6 شباط أن يؤجِّل الجلسات بعد الحرب التي شُنّت عليه معتبراً أنّ «التحقيق العدلي يجب أن ترافقه النيابة العامة التمييزية ويجدر أن يكون هناك تعاون بينهما». 

في 23 كانون الثاني الماضي استعاد القاضي البيطار صلاحياته في التحقيق بعدما كان أمضى نحو 13 شهراً منتظراً بتّ المسألة من خلال القضاء، مدركاً حجم التدخلات السياسية في الملفّ، والضغوط التي يتعرّض لها، والتهديدات التي تلقّاها بصورة مباشرة وعلنية. ولكن بين 23 كانون الثاني و6 شباط انفجر الخلاف وعاد التهديد من أجل كفّ يده بالقوة، بعدما كان تمّ اللجوء إلى دعاوى الردّ وكفّ اليد ومخاصمة الدولة اللبنانية لمنعه من استكمال التحقيق.

لم يكن من المقبول قبول سلوك هذا المسار القضائي الذي كان هدفه تعطيل عمل القضاء وشلّه ومنع استكمال التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت وإن كان القاضي البيطار خضع لهذا المسار إلّا أنّ قراره استئناف التحقيق واستعادة صلاحياته هو القرار الصحيح بالإستناد إلى الإجتهاد القضائي الذي استند إليه والذي يعتبر أن المحقق العدلي لا يمكن ردّه ولا يمكن عزله.

منذ إنشئ المجلس العدلي في العام 1923، ومنذ بدأت تحال القضايا الخطيرة عليه لم يحصل أن تمّ كفّ يد أيّ محقق عدلي تمّ تعيينه للتحقيق في أيّ من هذه القضايا. رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فيليب خير الله، الذي استند القاضي البيطار إلى اجتهاده بعدم جواز ردّ المحقق العدلي، ذهب أكثر من البيطار في التأكيد على دور العدالة والسير بالملفات المحالة على المجلس العدلي.

جعجع خلال المحاكمة

أكثر من دعوى نظر فيها المجلس العدلي الذي ترأسه القاضي خير الله ولم يتمّ تقديم أي طعن فيها بأيّ محقق عدلي، من قضية قتل الأخوين أنطونيوس في بعبدا في العام 1992، إلى قضية تفجير العبوة الناسفة على طريق البلمند عام 1993، واغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الشيخ نزار الحلبي في العام 1996، إلى القضايا التي حوكم فيها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع. خلال كل هذه المحاكمات لم يتقدّم وكلاء الدفاع عن الدكتور جعجع بأيّ طلب ردّ أو كفّ يد لأيّ محقّق عدلي في القضايا التي حوكم فيها.

حتى القاضي جوزف فريحة الذي تمّ تعيينه محققاً عدلياً في قضية تفجير كنيسة سيدة النجاة، لم يتمّ التقدّم بطلب ردّه على رغم أن القاضي فيليب خير الله نفسه كانت لديه ملاحظات سلبية عليه وتحفّظ على تكليفه بهذا التحقيق، وقد ذكر هذا الأمر في كتابه «نحكم باسم الشعب اللبناني» الذي أصدره في العام 2013، بعد خروجه من سلك القضاء في العام 1998، وخصّص الجزء الأكبر منه للدفاع عن نفسه في قضايا محاكمة الدكتور جعجع أكثر من ذلك، عندما انسحب وكلاء الدفاع عن جعجع من جلسات المحاكمة اختار خير الله أن يستمرّ فيها. وعندما عيّنت نقابة المحامين، بناء على طلبه، وكلاء للدفاع عن جعجع رغماً عنه، استمر في المحاكمة. وعندما انسحب هؤلاء الوكلاء أيضاً استمرّ في المحاكمة. وعندما اختار جعجع الصمت اعتراضاً على هذا المسار استمرّ خيرالله في المحاكمة.

سابقة القاضي حسن قوّاص

أكثر من ذلك أيضاً عندما اغتيل رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» كمال جنبلاط في 16 آذار 1977، وأحيلت جريمة اغتياله مع جرائم قتل المسيحيين التي نتجت عنها في ردة فعل غرائزية، إلى المجلس العدلي، تمّ تعيين القاضي حسن قوّاص محققاً عدلياً في القضية على رغم أنّ النظام السوري كان متهماً بارتكاب هذه الجريمة، وعلى رغم تكوين ملفّ في التحقيق لم يتمّ ردّ القاضي قوّاص، حتى النظام السوري بحكم سيطرته على القرار اللبناني في ذلك الوقت ووجود أكثر من 30 ألف جندي سوري مع مفارز المخابرات التابعة له في كل لبنان، لم يردّ المحقق العدلي بل تمّ تهديده للتخلّي عن الملف.وعندما لم يقبل ولم يتراجع جرت محاولات لاغتياله وتمّ إطلاق قذيفة صاروخية على منزله أدّت إلى إصابة ابنه بجروح خطيرة وإعاقة دائمة. 

ومع ذلك بقي هو نفسه المحقق العدلي في هذه القضية وإن كان امتنع في النهاية عن إصدار القرار الإتهامي بناء على تدخلات سياسية وتمنيات من رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط الذي أسقط حقوقه الشخصية لإقفال الملف والإنتهاء من القضية صحيح أنّ هذا القرار لم يصدر، ولكن من نشر مضمونه وتفاصيله كان الضابط في مكتب المباحث الجنائية العميد عصام أبو زكي، الذي أصبح لاحقا قائداً للشرطة القضائية، والذي أشرف على التحقيق منذ بداية حصول الجريمة.فقد صدف أنّ أبو زكي، الذي تعرّض أيضاً لمحاولات خطف واغتيال بسبب متابعته التحقيق، كان يمرّ على الطريق التي حصلت عليها عملية الإغتيال، وضبط مسرح الجريمة ونقل التحقيق مع المحققين المعنيين إلى منزله في الشوف، وتمكّن تباعاً من جمع المعلومات التي كشفت هوية المسلّحين الأربعة الذين تولّوا عملية الإغتيال وكيف انتظروا على دوّار بعقلين مرور سيارة جنبلاط واعترضوا طريقه وخطفوه بسيارته، وكيف اصطدمت سيارتهم «البونتياك» بسيارة جنبلاط واضطرّوا إلى قتله مع مرافقَيه. 

وعندما حاولوا الفرار من مسرح الجريمة تعطّلت سيارتهم بعد اصطدامها بتلّة ترابية، فأوقفوا سيارة مدنية وأجبروا سائقها على نقلهم إلى مركز المخابرات السورية عند مستديرة الصالومي في سن الفيل الذي كان بإمرة الضابط السوري ابراهيم حويجي وكشفت التحقيقات أيضاً أنّ السيارة التي استخدموها في عملية الإغتيال كانت تمّت مصادرتها في مرفأ بيروت لأنّها كانت محمّلة بكمية من المخدرات، وأنّ المخابرات السورية استولت عليها ونقلتها إلى سوريا ثم أعادتها إلى لبنان بلوحة عراقية قبل عملية الإغتيال بأيام قليلة، وكان يستخدمها عناصر المخابرات السورية الأربعة الذين تولّوا تنفيذ العملية خلال إقامتهم في أحد فنادق العاصمة الذي كان مقرا لهذه المخابرات.

وليد جنبلاط وحادث قبرشمون

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...