ملفات "دسمة" عالقة إلى العام الجديد!


 لم يكن الوضع القضائي في لبنان بصحة جيدة في العام 2022 حيث عانى من تعطيلٍ قسري، منه ما كان ناتجاً عن الأزمة الإقتصادية، ومنه ما هو ناجم عن المناكفات السياسية، إلاّ أنه سجّل سلسلة محاولات في مكافحة الفساد.

فالعام 2022 لم يشهد أي جديد على صعيد حلحلة التحقيق في ملف انفجار المرفأ بعد كفّ يد القاضي البيطار في نهاية عام 2021 إلى اليوم. ويعود السبب في عدم بتّ دعاوى المخاصمة بحقّ البيطار، إلى استحالة إجتماع هيئة محكمة التمييز بعد خروج 4 من قضاتها إلى التقاعد وعدم تعيين بديلين عنهم بفعل التجاذبات السياسية.

وأخفق رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، في اجتراح حلولٍ ممكنة للملف، من بينها إجتهاد قانوني يمكن من خلاله النفاذ لتمكين الهيئة العامة لمحكمة التمييز من الإجتماع بأعضائها الأصيلين والمنتدبين، بالتالي، توفير النصاب واتخاذ القرارات المطلوبة لإعادة تحريك التحقيقات، والبتّ بدعاوى المخاصمة المقّدمة ضد البيطار من سياسيين مدعى عليهم في القضية، وكذلك بدعاوى المخاصمة المقدمة ضد قضاة في التمييز مكلفين النظر بدعاوى رد البيطار.

وأدّى توقّف التحقيق إلى إبقاء الموقوفين من بدون أي أفق لجهة إخلاء سبيلهم، بعد سقوط محاولة تعيين محقق عدلي رديف في الملف، بسبب الخلاف الحاد على إسم القاضية سمرندا نصار التي اقترحها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري لهذه المهمة. وما يزال 19 شخصاً قيد التوقيف حتى اليوم ومن بينهم: المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، المدير الحالي بدري ضاهر، المدير العام لمرفأ بيروت حسن قريطم.

وحاول وكلاء الدفاع إيجاد مخرج قانوني يستند إلى المعاهدات الدولية لإخلاء سبيل المعتقلين، وما زال الموضوع في عهدة القاضي بيطار بعد إحالته له من رئيس مجلس القضاء الأعلى للبتّ فيه.

إلاّ أن المحزن في هذا الملف هو معاناة الأهالي، سواء أهالي الضحايا أو أهالي الموقوفين الذين يستمرون في النضال من أجل كشف الحقيقة التي أودت بحياة أبنائهم، أو لجهة إخلاء سبيل متهمين لم تثبت حتى اليوم علاقتهم بالتفجير المُدمِّر.

البارز في العام 2022، هو الإعتكاف القضائي الذي بدأه القضاة منذ حوالي 3 أشهر على خلفية تردّي الأوضاع المعيشية وتدني رواتبهم، ما حال دون البتّ بالكثير من الملفات العالقة في قصور العدل حتى التوقيفات منها، حيث يمضي موقوفون أشهراً طويلة مع عدم وجود أفق لإخلاء سبيلهم نتيجة الإعتكاف.

ودفع هذا الأمر بمدير عام الأمن الداخلي عماد عثمان لإصدار مذكّرة داخليّة تعطي القطعات الأمنيّة السلطة الكاملة لتنفّذ مهام الضابطة العدليّة عند تعذّر الإتصال بالنيابات العامة، أو تمنّعها عن إعطاء إشارة قضائية، بحيث يحقّ لأي عسكري استخدام السلطة الممنوحة له بموجب هذه المذكرة لتوقيف من يعتبره مرتكب جريمة مشهودة، وأكثر من ذلك من دون تحديد مدّة التوقيف.

وانعكس الإعتكاف سلباً على عمل المحامين أيضاً الذين وجدوا أنفسهم بدون عمل، مما دفع بنقابة المحامين إلى فتح نزاع مع القضاة ومطالبتهم بالعودة عن الإعتكاف ومحاسبة المعتكفين.

ومن المتوقع أن تشهد بداية العام 2023 عودة تدريجية لعمل القضاة، في ظلّ الحديث عن اقتراب حل مسألة الرواتب.

لم تستكن المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون طيلة العام 2022 عن ملاحقة حاكم مصرف لبنان وشقيقه وكل من لهم علاقة بملفه القضائي، فلاحقت الممثلة ستيفاني صليبا وأشارت بتوقيفها، حيث شكّل هذا الموضوع مادة نزاع مع النيابة العامة المالية التي تدخّلت للإفراج عن صليبا، ثم عادت لإصدار مذكرة توقيف بحقها، وجرى التحقيق معها قبل إخلاء سبيلها، لتعود القاضية عون وتضع إشارةً على ممتلكاتها وتصدر إشارةً جديدة بمنع السفر.

وفي هذا العام، بدأت الملاحقات في ملفات فساد فوصل عدد الموقوفين في ملف هيئة إدارة السير والآليات والمركبات في الدكوانة والأوزاعي إلى حوالي الـ 70 موقوفاً، ومن ضمنهم أطباء منحوا تقارير طبية مزوّرة. وتتولى المحامية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب التحقيق الأولي، وتُحيل من تأمر بتوقيفهم على قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، والذي أبطل التحقيق الذي أجرته الخطيب مع رئيسة الهيئة هدى سلوم، ليعود رئيس الهيئة الإتهامية في جبل لبنان القاضي بيار فرنسيس ليفسخ قرار منصور ويثبت تحقيقات الخطيب، وما زال المتهمون في الملف قيد التوقيف.

وفُتح الباب على مصراعيه للتحقيق في ملف الدوائر العقارية، لا سيما في دائرة بعبدا، حيث وصل عدد الموقوفين إلى حوالي 35 شخصاً، في حملةٍ قامت بها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، شملت عدداً جديداً من الموظفين، وطالت أمينة السجل العقاري في بعبدا ن. ش. بواسطة مذكرة جلبٍ من منزلها، ومعاون أمين السجل "م. ش." ورئيسة مكتب بعبدا - الحدث العقاري "ر. ز".

كما ادعى المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع على رئيسة مكتب الشياح العقاري ف. ي. بجرم الإثراء غير المشروع والتماس رشى، بعد مرور عشرة أيامٍ على توقيفها والتحقيق معها. وقبل أسبوعٍ، شهدت عقارية بعبدا توقيفات لعددٍ من الموظفين، منهم من أخلي سبيله، ومنهم من لا يزال موقوفاً كمعاون أمين السجل "ج. م." وينتظر الموقوفون في هذا الملف الأيام المقبلة من التحقيقات لتحديد مصيرهم بالإدعاء عليهم أو بإخلاء السبيل.

ولا بد من الإشارة إلى دورٍ متنامٍ لنادي القضاة، الذي سعى إلى الإستئثار بقرار القضاة والتحدّث بإسمهم.

ولكن في المحصلة، لا بدّ من التذكير بما قاله كل من الزعيمين شارل ديغول وونستون تشرشل، وهو "إذا كان القضاء بخير فالبلد بخير". فهل القضاء اللبناني بخير؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...