"أمن الدولة" في مرمى "شعبوية" النواب... إستقواء وتعالي

 

منح عناصر الأمن الداخلي في ثكنة بربر الخازن للنواب الحقّ بأن يقلّوا بسياراتهم وليم نون وبيتر بوصعب قبل أيام، رغم وجود إشارة قضائية بحقهما، جعلت من مهمة نقلهم إلى المديرية العامة لأمن الدولة، من مسؤولية الأمن الداخلي حصراً. عيّنة بسيطة، كشفت "عَورة السلطة" إلى جانب الكثير من الأقنعة التي يتخفّى خلفها "النواب الثائرون".

بشهادة أكثر من معنيّ، بمن فيهم نون نفسه، تعاملت المديرية العامة لأمن الدولة بكثيرٍ من الإنضباط مع حالته، رغم تجاوزات النواب ومنطق الإستقواء والتعالي، الذي طبع تعاطي بعضهم مع الملف لغاية بلوغ المنافسة الذاتية في ما بينهم نطاق تحصيل "جائزة إخلاء السبيل".عملياً، إنتهت القصة بتوقيع نون وبوصعب، على تعهّد بعدم التعرّض للقضاء. في المقابل، كشفت جلسات التحقيق مع نون عن تماهي مع جماعة "جند الرب". بخلاف ما ذكر لاحقاً، بدليل ما أظهره هاتفه من معطيات أهمها انضمامه إلى مجموعات محادثة عبر تطبيق "واتس آب" تضمّ بمعظمها أفراداً ناشطين في الجماعة. وبحسب التحقيق، برّر نون إنجذابه إلى "جند الرب" بمسألة التديّن.


في المقابل، أظهرت التحقيقات صورةً أوسع عن مدى التأثيرات السياسية وغير السياسية، التي يتعرض لها أهالي شهداء المرفأ، وعمليات الإستغلال التي تقوم بها مجموعة من الشخصيات.

في هذا المجال، اظهر التحقيق "دسّ" بعض الإعلاميين الأسئلة والأجوبة إلى نون، فيما تولّت احدى الإعلامية مسؤولية "تخدير" محطتها من خلال إذاعة نبأ توقيف نون على شكل "اعتقالٍ سياسي"، وصولاً لفتح "بثّ مباشر" لساعات طويلة تضمن كيل إتهامات في حق القضاء والمديرية وعناصرها، واتهامها بأنها تستقوي على أهالي الشهداء إنصياعاً لأوامر سياسية.

واقع الحال هذا، مارسه النواب التغييريون بدقة خلال جلستهم مع أحد ضباط المديرية خلال توقيف نون، لم يخفِ هؤلاء انزعاجهم من أسلوب التوقيف بحدّ ذاته. وحين طُلب إليهم "تقديم الحل الأنسب"، قالوا إن مشكلتهم في الشكل وليس في المضمون، دون تقديم ما يخدم تعديل أسلوب التوقيف، فقط إقتصار وجهة نظرهم على اعتبار شكل التوقيف كناية عن "صورة طبق الأصل عن زمن الوصاية السورية".

هكذا، مضى النواب إلى الشعبوية والتنقيب في القشور متناسين المضمون. من أفظع المشاهد التي ظهرت خلال عملية التوقيف التي دامت ساعات، تباري النواب على قطف اللحظة السياسية وجعلها تصبّ في مصلحتهم. بدا لافتاً تنافس نواب الكتائب سامي الجميل والياس حنكش مع زملائهم على جبهة "نواب التغيير"، ما دعا إلى الهجوم الأخير على المديرية العامة لأمن الدولة، والإعتبار أنها أصبحت "ضمن ملاك رئيس مجلس النواب نبيه بري"، يعود إلى رفض المديرية طلبات وردت من حنكش شخصياً لاصطحاب وليم نون عند الإفراج عنه بسيارته، ونقله خارج المديرية للإحتفاء به!

هنا، لا تُسأل أمن الدولة عن عدم السماح لنون بالمغادرة وفق ما يعتبره النواب "حقاً" لهم، إنما يعود لطلبه هو شخصياً أن يجري نقله إلى مقر الدفاع المدني بإحدى سيارات المديرية.

من خارج المسائل القانونية، ظهر تعامل مرافقي نواب الكتائب بخشونةٍ زائدة مع أفراد حماية مقرّ أمن الدولة في الرملة البيضاء. كان غالباً طابع إعتبار هؤلاء، بأنهم يمثلون العهد البائد، ولا بدّ من اجتثاثهم أو التعامل معهم كودائع لوصاية بائدة. هذه الممارسة طبّقها حنكش فعلياً، إذ تقدم أحد مرافقيه لافتعال مشكل شخصي مع أفراد الحماية من العناصر عند مدخل مقرّ المديرية في الرملة البيضاء ووسط الحشود، ليتبيّن في ما بعد توفّر نيةً للإعتداء من خلال تحضير المرافق نفسه سلفاً لاشتباك، بدليل تلقيمه لمسدسه وكأنه دخل إلى أرض معادية. ردة الفعل تجاه المرافق والنائب الذي اعتبرته المديرية "حقاً لها"، جرى التعامل معه باستحسان على مستوى قيادة أمن الدولة، وصولاً إلى منح تقديرات وتنويهات إلى أفراد كتيبة الحماية الأسبوع الماضي وبإشرافٍ من مدير المديرية ونائبه.

نظرياً، يمكن ربط عدم انصياع أمن الدولة وتعاملها بتوازن مع التحقيق الجاري بإشرافٍ قضائي ورفض طلبات بعض النواب، هو السبب الذي دفع إلى الهجوم عليها أخيراً بحجة "غياب التوازن وتسلّط العنصر الشيعي". النفس كتائبي هنا، إستوردَ منطقاً هجيناً استُخدم شمّاعة المصالح الطائفية. ضرباً على هذا الوتر، جرت محاولة لاسترداد الخلاف السابق بين المدير ونائب تقليدي تحت عنوان "التنازع على الصلاحيات"، وتصوير نائب المدير العام العميد حسن شقير "الشيعي" كمن يتجاوز صلاحياته ويصادر قرار المدير العام اللواء طوني صليبا الكاثوليكي، وهو ما تنكره مصادر الرجلين المتمّمين واجباتهما في ما بينهما على أكمل وجه، ما يمكن أن يُستدل إليه من خلال عودة المديرية إلى الخارطة الأمنية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...