من يريد دفن قضيّة تفجير مرفأ بيروت؟

 

لماذا غاب المحقّق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار عن العدلية وتوقّف عن متابعة التحقيق فيها ثم عاد إليها بعد نحو سنة، كأن المعارضة له لم تقم سواء في الشارع حيث قسّم رافضو الحقيقة من الجهات السياسية الفاعلة في البلاد أهالي الضحايا فريقين متناقضين في التوجّه ومتنازعين في الشارع، علماً بأن جروحهما واحدة ورغبتهما في العدل صادقة وحازمة؟

لماذا عاد الى التحقيق بزخم فأصدر قراراً بتخلية خمسة من الموقوفين على ذمة التحقيق، وأصدر ثانيةً مذكرة إحضار للتحقيق أو سيُصدرها قريباً جداً في حق المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا؟ لماذا كانت دعاوى الردّ التي رُفعت في “العدلية” لوقف تحقيقاته ولا سيما من الذين أثاروا الشبهات في دور لهم في الجريمة من جرّاء استدعائهم الى التحقيق، ولماذا رفض هؤلاء وغيرهم المثول أمامه وتمسّك النواب منهم بأن لا صلاحية له لاستجوابهم، وأن المخوّل القيام به بموجب الدستور ماذا سيكون ردّ فعل الداعين الى استمرار وقف البيطار عن العمل والى اتخاذ قرارات مناقضة لقراراته وخصوصاً في قضيّة إخلاء سبيل الموقوفين بداعي التحقيق؟ كيف سينظر المجتمع الدولي ولا سيما الغربي منه وتحديداً فرنسا والولايات المتحدة الى عودة القاضي البيطار الى ممارسة مهمته؟ هل سيدعمونه وبأي طريقة؟ هل سيمارسون بما يمتلكونه من وسائل كل ما يستطيعون من ضغط وتهديد وإغراء و… لتمكينه من النجاح في استئناف عمله؟ أم أن لهذا المجتمع ولكباره مواقف أخرى لا بد أن تظهر لاحقاً وبالتدريج، وهي تكشف فعلاً أسباب امتناعهم عن تزويد دولة لبنان بما تمتلكه من معلومات وصوَر التقطتها أقماره الاصطناعية التي تغطّي سماء الشرق الأوسط وتجوبها باستمرار؟ بل لماذا امتنعوا أساساً عن تزويده بكل ما يمتلكون من معلومات وإشارات ومعطيات هم الذين يرفعون لواء العدالة ويرفضون الإرهاب والجريمة ولا ينفكون عن المطالبة بمحاسبة خارقي القوانين والقيم الإنسانية، علماً بأن هذه ليست المرة الأولى التي لا يساهم كبار العالم وحتى متوسّطوه وصغاره في كشف ما يعرفون عن أي جريمة إن لم تكن لهم مصلحة في ذلك؟ علماً أيضاً بأن الكشف رغم إرادتهم إذا حصل فلن يبقى أبداً من دون عقاب.

السؤال ما قبل الأخير الذي يجب طرحه ربما في هذا المجال هو هل سيتعرّض المحقّق العدلي البيطار الى الانتقام “القانوني” بإزاحته عن موقعه أو غير القانوني… وهل سيُعيّن آخر مكانه علماً بأنه سيعجز إلا عن إدخال قضية المرفأ في متاهات جديدة، كما عن استغلال للوضع الحالي للقضاء الذي لا يختلف عن حال الدولة بعدما انهارت بكل مؤسساتها، وصارت فقيرة تعيش على “الشحادة” وبعدما افتقر شعبه وخسر نقده بقيمته المهمة السابقة. أما السؤال الأخير فهو هل هناك جهات داخلية وأخرى إقليمية ومعها جهات دولية تريد “دفن” قضية تفجير المرفأ مثلما دُفن ضحاياه اللبنانيون وغير اللبنانيين ولكن “أشلاء”؟طبعاً يعرف القاصي والداني أن هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها يحتاج التوصّل الى أجوبة عنها الى جهود خارقة والى تضامن وطني والى دولة قادرة وشعب واحد ومؤسسات يأتمر رؤساؤها بالقانون لا بزعماء الطوائف والمذاهب الذين عيّنوهم في مواقعهم. وكل ذلك غائب في لبنان وعنه. ويعرف أيضاً القاصي والداني أن للدول المهمة إقليمياً وفي العالم أجندات ومصالح لا مكان فيها للعدل والرحمة وحقوق الإنسان.

أعتذر من قرّاء “الموقف هذا النهار” لاقتصار معظمه اليوم على الأسئلة. لكنها مهمة. فالذي لا يسأل ويتساءل ويدقّق ويبحث ويستعمل عقله لا غرائزه وتحديداً الطائفية والمذهبية ومصالحه لا يكون مواطناً صالحاً ولا مسؤولاً عادلاً ولا إنساناً سويّاً لكن في السياسة محليةً كانت أو إقليمية أو دولية كل شيء مباح وإن خالف القانون والأعراف والقيم الإنسانية والدينية السامية، إذ إن المصالح صغيرة وكبيرة أكثر أهميةً من الإنسان بل من الناس كلهم. ويُبرَّر ذلك بمصالح الدول والأوطان والأديان وبطوائفها ومذاهبها المتنوّعة وبالتعصّب الدائم لها رغم أن جوهرها واحد.

إلا أن ما يثير الاستغراب في هذا المجال هو معلومات تسرّبت عن جهة يُفترض أنها جدّية تفيد أن الولايات المتحدة أرسلت الى الدولة اللبنانية رسالةً طالبت فيها بإطلاق سراح مواطن لبناني وأميركي في آن واحد من عائلة عوف لم ينتهِ التحقيق معه بعد كما مع غيره بسبب الأوضاع في البلاد والاختلافات العميقة بين اللبنانيين حول جدارة القاضي بيطار ونزاهته أو عدمهما وهو غير متهم بشيء حتى الآن. الأدهى من ذلك وعلى ذمة المعلومات المتسرّبة أن الرسالة هدّدت أو ربما لوّحت باعتبار السجين على ذمة التحقيق عوف وربما غيره إن كانت هناك حالة تشبه حالته رهينةً. يعني ذلك ممارسة ضغوط قوية على لبنان الذي “تحبّه” أميركا وترغب في مساعدة شعبه لكنّها “عاجزة” عن ذلك لأسباب كثيرة متنوّعة. فهل يحتاج لبنان اليوم وشعوبه “التعيسة” والاثنان مظلومان من قادتهما وحكّامهما والأحزاب الأقوى فيهما، والاثنان محكومان بأجندات خارجية إقليمية ودولية ذات مصالح غير لبنانية في معظمها، فهل يحتاج الى مواجهة مع أميركا؟ وهل يربحها وكيف؟ أم هل تُنهيه كياناً واحداً ودولةً واحدة وشعباً واحداً وتوزّعه شعباً وأرضاً إما على الطامعين فيه من جيرانه وهم اثنان فقط لا غير وإما على شعوبه المتقاتلة والمتنافس قادة كل منها على حكمها وإن أراق ذلك الدماء وشرّع أبواب الهجرة الشاملة؟في النهاية ليست جريمة تفجير مرفأ بيروت لا انفجاره الوحيدة التي لا تُكتشف. فجرائم بهذا الحجم تُقيّد ضد مجهول في دول عظمى وكبرى ولبنان ليس منها. لكن المثير للقلق أن الهدف من تعمّد عدم الاكتشاف هو جهل قادة العالم والمنطقة وأقوى اللبنانيين على تناقضاتهم من ارتكب كارثة المرفأ أو تجاهله. 

وهو قد يكون “عدواً” للبنان لكن مصالح هؤلاء كلهم على تناقضها تدفعهم الى تجهيل الفاعل ومعاونيه تلافياً لارتدادات وانعكاسات صعبة جداً على الصعيدين الإقليمي والدولي كما على الصعيد المحلي حيث بدا واضحاً من زمان أن الـ2750 طناً من نيترات الأمونيوم لم تدخل لبنان خطأً عام 2013، إذ عند انفجارها عام 2020 كان “هُرِّب” منها نحو 1200 طن وربما أكثر.والقوانين النافذة هو مجلس النواب كما بواسطة محكمة نيابية خُصّصت للتعامل القضائي مع الوزراء والنواب…؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...