قد يكون حادث إنقاذ مراكب الجيش اللبناني لنحو 232 شخصاً كادوا يلاقون حتفهم جميعاً غرقاً في محاولة هروب غير شرعية على مركب هائم تعطّل قبالة شاطئ سلعاتا، في آخر يوم من السنة 2022، النموذج الأكثر تعبيراً من الناحية الرمزية لمأساة تخبّط اللبنانيين في شتّى الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تدفع بيأس الكثيرين إلى المغامرة والانتحار عبر مراكب ورحلات الموت غير الشرعية.
هذا الحادث، وإن كان الجيش قد نجح في استدراك تحوله إلى كارثة مفجعة ليلة رأس السنة، عبر نجاحه في إنقاذ الـ232 شخصاً من الغرق باستثناء امرأة وطفلتها من الجنسية السورية، يُعيد على مستوى رمزية غرق لبنان في كارثته الوطنية التشبيه الشهير الذي أطلقه وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان، حين شبّه لبنان بأشهر باخرة في التاريخ تعرّضت للغرق، "تايتانيك"، وراح لودريان لمدّة طويلة، إبان إطلاق باريس والرئيس إيمانويل ماكرون المبادرة تلو الأخرى، يطلق التحذيرات من "غرق لبنان واضمحلاله" أسوة بمصير "التايتانيك".
وها هو لبنان يستقبل السنة 2023 وهو على درجات عالية بل فائقة من الخطورة سواء لجهة الغموض والقتامة في مسار أزمة الفراغ الرئاسي أو لجهة الانزلاق الخطير في متاهات الانهيار المالي والاقتصادي وتداعياته الاجتماعية الفادحة، ولا يملك أحد أيّ تصوّر أو تقديرات موضوعية دقيقة متى ومن وكيف يمكن أن ينقذ لبنان من المصير المحتوم المفجع إذا لم يبدأ هذا الإنقاذ بأسرع وقت بانتخاب رئيس للجمهورية يمثل عنوان الشروع في عملية إعادة الثقة بالدولة والنظام طريقاً إلى وقف الانهيار ونزف الهجرة وبدء الخروج من "جهنم" الذي قاد العهد السابق لبنان إليها قولاً وفعلاً.
إذاً، وقبل أن يستقبل اللبنانيون منتصف الليل الفائت السنة 2023 بفائض الآمال بتبدّل أحوالهم المأسوية، كان حادث إنقاذ 232 شخصاً واجهوا خطر الموت غرقاً هو الحادث الأبرز التي ختم السنة الآفلة. وقد تمكّنت دورية من ثلاثة مراكب عسكرية تابعة للقوات البحرية في الجيش يرافقها مركب تابع لليونيفيل من إنقاذ مركب كان يغرق قبالة شاطئ سلعاتا في الشمال، وعلى متنه 232 شخصاً معظم اللبنانيين من بينهم من هم من مناطق التبانة والقبة في طرابلس، كما أن بينهم سوريين كانوا يحاولون مغادرة المياه الإقليمية اللبنانية بطريقة غير شرعية، بحسب ما أعلنت قيادة الجيش. وأشار الجيش عبر "تويتر" إلى وصول 3 مراكب من القوات البحرية يرافقها مركب من اليونيفيل إلى موقع المركب الذي كان يغرق قبالة شاطئ سلعاتا، وباشر العناصر إنقاذ الأشخاص من المركب المذكور.
وافادت المعلومات لاحقاً بأنّ الناجين من غرق المركب وصلوا إلى مرفأ طرابلس وتحديداً القاعدة البحريّة بعدما قام الجيش بعمليّات الإنقاذ بانتشال الناجين من المياه.
أمّا المشهد السياسي في نهاية السنة فبدا إلى مزيد من التأزم في ظلّ المواجهة الناشئة مجدداً حول احتمال دعوة مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال إلى عقد جلسة جديدة بعد رأس السنة والرفض الذي يواجه به هذا الاتجاه من قبل "التيار الوطني الحر" ولم يبرز أيّ جديد في هذا الصدد أمس في ما يعكس تريّث الأطراف المعنيّين بأيّ تحرّك أو موقف إلى ما بعد مطلع الأسبوع المقبل.
النهار