ظاهرة الفرار من السجون: فشل الدولة يفتكُ بالمؤسسات العسكرية ويعرّض الأمن للخطر

 

في الأشهر القليلة الماضية تحوّل الفرار من السجون اللبنانيّة إلى ظاهرة متكرّرة ومتنقّلة من منطقة إلى أخرى. بأساليب متنوّعة لكن متشابهة نجح سجناء لبنانيون وسوريّون ومكتومو القَيد بالتحايل على الإجراءات الأمنية حتى وصل عددُ الفارّين منهم خلال الخمسة أشهر الأخيرة إلى 110، نجحت القوى الأمنية بتوقيف عددٍ قليلٍ منهم.

مسلسلُ الفرار هذا تنقَّل بين سجون جب جنين وأميون وإهدن وصيدا وجونية ونظارة قصر عدل بيروت وأكثر ما هو مقلق في الموضوع هي الوتيرة المتسارعة لهذه العمليات. فصحيحٌ أنها ليست المرة الأولى التي يفرُّ فيها سجناء ولطالما شهدت السجون الكبرى عمليّات مماثلة في السنوات السابقة، لكنَّ تكرار هذ العمليّات في فترة زمنيّة قصيرة وسط الظروف الإقتصادية والإجتماعية الرّاهنة يطرحُ أكثر من علامة استفهام حول واقع السجون والمخاطر الأمنية المحيطة بها.

الواقع الصعب الذي تمرُّ به السجون ومن خلفِها الأجهزة الأمنية هو نتيجةً لتراكم العوامل الإقتصاديّة والإجتماعية ولتهالُك المؤسّسات التابعة للدولة وفي طليعتها مراكز التوقيف. فالسجون في لبنان تعاني من الإكتظاظ بسبب تأخر القضاء في إصدار الأحكام لسنوات أضيف إليه في الآونة الأخيرة تجميد البت باخلاءات السبيل بسبب اعتكافِ القضاة المستمر منذ ستّة أشهر تقريباً، ما اضطر القوى الأمنية إلى تحويل بعض مراكز الفصائل والمخافر إلى أماكن توقيف تفتقر بطبيعة الحال إلى التجهيزات اللوجيستية التي تعيق محاولات الفرار.

أزمة الإكتظاظ هذه وعدم قيام الدّولة بأي جهدٍ لبناء سجون مركزيّة ومجهّزة بأعلى درجات الحيطة، تضاف إليها اليوم مشكلة بغاية الخطورة وهي تراجع عديد القوى الأمنية.
فبحسب معلومات LebanonOn تراجع عدد عناصر قوى الأمن الداخلي من 30 الف إلى 25 ألف منذ وقف التطويع في ال 2017 حتى اليوم. جزءٌ كبير من العناصر أحيل على التقاعد ولم يُصر إلى تطويع أشخاص جدد لملء الشواغر وبعد ذلك حلّت الأزمة الاقتصادية والمالية التي دفعت بعددٍ من العناصر إلى تقديم طلبات تسريح بعدما ضاقت بهم ظروف العمل نتيجة تآكل قيمة الرواتب وتوقُّف خدمة طبابتهم وعائلاتِهم على عاتق المؤسّسة العسكرية. فتخيلوا مثلا أن راتبَ العريف في قوى الأمن الداخلي يوازي ال 40$ دولار فيما لا يتجاوز ال 250$ للضابط بعد زيادة ضعفي الراتب التي أقرّت في الموازنة. وبما أن العناصر يتنقّلون على نفقتِهم الخاصّة من منازلِهم إلى مراكز خدمتِهم وسط غلاء سعر المحروقات واضمحلال قيمة الرواتب، وجدت قيادة قوى الأمن الداخلي نفسَها مضطرة إلى غض النّظر عن ممارسة بعضهم لوظائف جانبيّة أخرى وإلى القبول بتقليص أيام الخدمة، حتّى تتمكّن من الحفاظ على صمود العناصر البشرية ومعهم المؤسّسة. هذه العوامل مجتمعةً فضلاً عن الوضع المعيشي الصعب الذي يؤثر على معنويات العسكر ويُفقد بعضهم التشدّد في الإجراءات داخل السجون، ضعّفت إمكانية ضبط السجون بشكل تام.

خطورةُ ذلك تكمن في تواري مطلوبين بجرائم خطرة كالسرقة والسّلب والخطف والقتل مع ما يرتّبه ذلك من مخاطر أمنيّة على المجتمع من دون أن ننسى كلفة توقيفهم الباهظة والتي صلت أحياناً إلى حد وقوع اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية وصولاً في بعض الحالات إلى استشهاد عسكريين.

كلُّ ذلك فيما السياسيّون يضيّعون فرص إعادة بناء الدولة وانتشال المؤسسات العسكرية التي لا تزال صامدة حتى اليوم فقط بسبب وفاء عناصرها لبذّتهم، لا أكثر. فيما المطلوب هو البحث عن حلول مستدامة في موازاة حلول آنيّة تتمثل بالبحث عن مساعدات دوليّة من أجل صمود المؤسسات العسكرية التي من دونها لا أمن ولا أمان.

لارا الهاشم

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...