سلاح غير أخلاقي في لبنان… العالم بأسره لم يستخدمه بهذه الطريقة!

 

كتبت إيفانا الخوري في “السياسة”:

لا دق جرس بدء جلسات الانتخابات ولا جرس الحوار نفعا عشر جلسات ولم يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس، مقدمًا في كلّ مرّة صورة أتعس تخرقها تعليقات وأسماء ساخرة لا تتناسب مع خطورة الأوضاع على الأرض. فبين أسماء موقوفين في ملف بحجم انفجار الرابع من آب والأوراق البيضاء وتطيير النصاب، لم تعد مسرحيات ساحة النجمة تنفع، سيّما وأنها لا تأتي بأي جديد.

شرط عقد جلسة حوار تسبق تلك المخصصة للانتخاب حتى يدخل النواب للبصم في المجلس سقط مع احتمال عودته بعد الأعياد، أمّا “التيار الوطني الحر” والثنائي الشيعي فقد استنزفا بكثرة الورقة البيضاء وحيلة تعطيل الجلسات إلى حدّ يجعل من ما يحصل كلّ خميس غير أخلاقي وإن كان سلاح الحق الديموقراطي جاهزًا للدفاع عن هذا الخيار. 

ووفقًا للخبير الدستوري سعيد مالك، فإنّ الورقة البيضاء لطالما كانت ومنذ القرن التاسع عشر خيارًا يُستخدم في الدول الديموقراطية للتعبير عن الاعتراض على مرشح أو برنامج أو وضع ما، معددًا أمثلة كثيرة تتجاوز أوروبا وتصل إلى القارة الأميركية. من فرنسا في العام ١٨٨١ إلى الولايات المتحدة الأميركية في الـ ١٩٧٥ مرورًا بالأرجنتين عام ٢٠٠١ وصولًا إلى كولومبيا عام ٢٠١٤، كلّها أمثلة تؤكد أنّ الورقة البيضاء أشهرت في مرّات عديدة وبنسب وأرقام كبيرة لكن من دون الوصول إلى المراوحة المحلية اللّبنانية. 

في لبنان، ما زال “حزب الله” متأنيًا يخشى تبني رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية كمرشح صريح للاستحقاق الرئاسي في ظلّ رفض رئيس “التيار الوطني الحر”، النائب جبران باسيل لذلك وإن كان الرجل يعتبر نفسه ضمنيًا مرشحًا لتولي إدارة البلد من على كرسي بعبدا بشكل صريح هذه المرّة فقد سمع في عواصم عربية أخرى تأييدًا لوصول قائد الجيش جوزاف عون، فعاد مصدومًا وتعقدت الأوراق أكثر. والأكيد أنّ حتى اتفاق الثنائي على مخرج مع “التيار” ستكون الجلسات المستنسخة أمرًا طبيعيًا في الفترة المقبلة في ظلّ عدم القدرة على كسر هذه المراوحة القاتلة. 

مالك، يقول لـ “السياسة” إنّ التسلّح بالورقة البيضاء في لبنان يُستخدم كخيار في غير محلّه كونه ليس أكثر من استراتيجية خبيثة هدفها الاستمهال لرص صفوف الأفرقاء الذين يلجأون لهذا السلاح غير أنهم ينالون من الاستحقاق الرئاسي عبر هذه المناورة التي تهدف عبر المثابرة عليها إلى إيصال مرشحهم إلى القصر الجمهوري في نهاية المطاف. 

لا تشبه فوضى لبنان واللّامبالة القائمة أي انهيار في العالم، ففيما تواصل اللّيرة انحدارها السريع من دون رادع وصولًا إلى سعر صرف تجاوز الـ ٤٣ ألف ليرة للدولار الأميركي يمعن طرف سياسي متشرذم بتعطيل الجلسات وتطيير النصاب منعًا من عقد الدورة الثانية وانتخاب رئيس. وهنا لا يبقى السؤال مرتبطًا بالسياق الأخلاقي لهذه التطورات بل بما إذا كان أي بلد في العالم يمتلك نظامًا مشابهًا للمتبع في لبنان، في ظلّ وجود كلّ هذه العلل. 

وصحيح أنّ مالك لا ينفي أنّ النظام اللّبناني مشابه للأنظمة الديموقراطية المتبعة في أوروبا حيث يكون النصاب والحضور شرطًا أساسيًا لكلّ انتخاب غير أنه يؤكد أيضًا أنّ المشرّع عند وضعه للدستور في لبنان لم يتخيّل يومًا أنه سيتم الاستفادة من هذه الثغرات واستخدامها للتعطيل. لافتًا إلى أنه ومن الـ ١٩٢٦ وحتى الآونة الأخيرة لم يشهد لبنان تطييرًا لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية ولم يحصل ذلك إلّا مع الفترة التي سبقت انتخاب الرئيس الأسبق ميشال سليمان مرورًا بفترة ما قبل انتخاب الرئيس السابق ميشال عون ووصولًا إلى اليوم. وبناءً على ذلك، يبرر الخبير الدستوري سبب عدم وجود نص صريح وواضح يرتبط بنصاب جلسات الانتخاب، معتبرًا أنّ هذا الهروب من المسؤولية وعدم الانتخاب يعكس سوء استخدام النواب لوكالتهم وغياب الثقافة الانتخابية والديموقراطية لديهم. 

تقول المعطيات الأولية إنّ لا جلسات جديدة لانتخاب رئيس جديد حتى بداية العام المقبل وذلك لأنّ الجميع “معيّد” رغم أنّ البلد لا يملك ترف الوقت ويأتي هذا القرار بعد ثلاثة أيام فقط على التقرير الصاعق والتحذيري لـ “هيومن رايتس ووتش”، حيث قالت في بيانها إنّ غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر. كما أظهرت الأرقام الأخيرة أنّ نسبة البطالة بحسب دراسة للإحصاء المركزي ‏مع منظمة العمل الدولية ارتفعت من 11% في العام 2019 الى 30% في العام 2022، وهذا ‏رقم مهول. كما ارتفع معدل تضخم الأسعار منذ العام 2018 حتى العام 2021 ليصبح بمعدل ‏‏562%. في المقابل ارتفع متوسط الأجور 92% فقط وبين تشرين الأول 2021 وتشرين ‏الأول 2022 سُجل تضخم للأسعار بنسبة 158%.‏

وأظهرت الدراسة أنّ أكثر من نصف الأسر في لبنان كان دخلها في أوائل العام 2022 أقل من ‏مليونين و400 ألف ليرة. ‏ وكشفت الإحصاءات عن أنّ الأسعار ارتفعت منذ بداية الأزمة في العام 2019 لغاية أيلول 2022 ‏بما يوازي تقريبا 1300% أي مضروبة بـ 13.‏ 

ببساطة، تنجح هذه الأرقام والوقائع بتعرية النواب اللّبنانيين الذين يتسارعون بعد كلّ جلسة للتصريح رافعين مسؤولية فشل انتخاب الرئيس عنهم استنادًا لحجج واهية تعكس لاأخلاقية الوضع السياسي في لبنان رغم أننا لا نسعى لأن نكون شرطة أخلاقية على أحد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...