«التشظي النيابي» ينتظر الجلسة السادسة

 

مَن يتمعّن في وقائع الجلسة النيابية الخامسة لانتخاب رئيس للجمهورية لا يمكنه تجاهل بعض المؤشرات التي انتهت إليها. فإلى كونها الاولى بعد خلو سدة الرئاسة، شهدت مفارقات عدة أبرزها بدايات «التشظي» داخل بعض الكتل النيابية واستمرار التفكك في أُخرى، على وقع بدايات خجولة لإسقاط أسماء مرشحين مُحايدين في صندوقها لم ينتظروا تأييداً مسبقاً من أحد. وهو أمر يقود الى توقّع مزيد منها متى عقدت السادسة. وعليه، ما هو المتوقع؟

قبل ان تعقد الجلسة الخامسة في مسلسل جلسات الخميس الماضي التي خصّصت لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، انطلقت مجموعة من السيناريوهات التي تُحاكي بدايات التفكك في بعض الكتل النيابية سواء تلك التي يجمعها رابط حزبي وسياسي ومناطقي قبل فتح صناديق الاقتراع في 15 ايار الماضي او تلك التي ولدت من رحمها وفي اوقات متعددة بفعل بعض المحطات الدستورية والسياسية التي قادت إليها. فمسلسل الاستحقاقات الدستورية التي أعقبتها شهدت اكثر من متغيّر، سواء كان امرا متوقعا او أنه وليد لحظتها.

 

وانّ العودة الى مسلسل هذه المحطات التي انطلقت من جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب الى نائبه، فهيئة أعضاء مكتب المجلس وأميني السر وصولاً الى انتخاب رؤساء ومقرري وأعضاء اللجان، ولدت اكثر من اكثرية مختلفة عن الاخرى وقد ارتبطت تركيبتها بما فرضَته المعركة الانتخابية لكل استحقاق منها على حدة. وفي الوقت الذي كرّست إحداها ما كان قائماً من تحالفات قبل الانتخابات النيابية وفيها وبعدها اختلفت تركيبتها في أخرى، فتولّدت اكثريات متنقلة جمعت وفرّقت الحلفاء والخصوم في اكثر من محطة ضمن هامش من الحركة بقي قريباً من أكثرية النصف زائدا واحدا او اكثر بقليل.وما هو ثابت لا يثير أي شك، انّ ما جرى اكد فقدان «الاكثرية الساحقة» التي لم نشهد عليها بعد سوى تلك التي ولدت على مرحلتين عند انتخاب رؤساء اللجان النيابية ومقرريها وأعضائها بطريقة أحيَت المعادلات التي كانت قائمة بين أطراف المنظومة السابقة. فاحترمت توزيعتها السابقة مهما اختلفت التوجهات والسياسات العامة للكتل النيابية. وكلّ ذلك جرى بمعزل عن المتغيرات التي انتهت إليها انتخابات أيار الماضي، لا سيما منها تلك التي أدت الى إقصاء النواب التغييريين عن المواقع الحساسة في بعض اللجان النيابية ليحفظ القديم على قدمه من دون اي تعديل يُذكر.على هذه الصورة، ما زال المجلس النيابي المدعو منذ 1 ايلول الماضي لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية محكوماً بالمعادلات السلبية والتحالفات غير الثابتة. فعلى رغم من أهمية الاستحقاق المتصل بضرورة وجود رأس للدولة في قصر بعبدا، يبدو ضرورياً الحؤول دون ان تطول مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها، ووقف الجدل البيزنطي القائم مُتلبساً النصوص الدستورية بطريقة توحي بالقلق الجدي على مستوى تفسير الدستور في لبنان في ظل فقدان الجهة الحاسمة المكلفة تفسيره وطريقة ترجمة بعض مواده بعدما أمعنت الأعراف والسوابق بتمزيقه وجعله كتاباً مقفلاً يوضع على أعلى رفوف المسؤولين او في اسفل أدراج مؤسساتهم مُتّكئين على الخروق الدستورية التي عبرت في لحظات غير طبيعية سمحت بفرضها وتطبيقها على يد قوى الأمر الواقع فحلّت بكل بساطة مكان ما يقول به الدستور والقانون والانظمة الداخلية للمؤسسات والسلطات من خطوات لا يمكن ان تحتمل اي جدل بعيداً من قدرة البعض على إنتاج الاجتهادات المتناقضة التي يُتقنها المستشارون الذين أتقنوا مهمتهم في تقديم «استشارات غب الطلب».


وانطلاقاً من هذه المؤشرات التي تكررت في اكثر من محطة، والى ما تسببت به من الجدال حول بعض المواد الدستورية المتحكمة بآلية انتخاب الرئيس، فإنّ أخطرها بات متصلاً بتحديد نصاب الجلسة الاولى وما يليها من دورات انتخابية يجري تعطيلها بطريقة مُمنهجة منذ ان بدأ مسلسل الجلسات بحلقاته الخمس التي عقدت حتى اليوم من دون ان يشهد أيّ منها أي دورة ثانية لاختبار ما يمكن ان تشهده من معادلات جديدة قد لا تنتج رئيساً، ولكنها قد تقدّم صورة واضحة عن حال التفكك والتشظي التي أصابت او يمكن ان تصيب بعض الكتل النيابية على أشكالها او بنسب مختلفة. 


بالإضافة الى ما يمكن ان تقود إليه من مؤشرات جديدة ومختلفة على قاعدة اعتمدها معطّلو الدورات الثانية المتتالية، وهي تقول بما معناه «لا تنام بين القبور ولا تحلم منامات مزعجة».عند هذه الفسيفساء النيابية التي انتهت إليها الجلسة الخامسة لانتخاب الرئيس ما زالت المعادلة قائمة، بحيث انّ بوادر التفكك قد أصابت بعض الكتل النيابية ولو بنسَب مختلفة وهي في عمقها وان كانت بسيطة جداً فلن تؤدي بعد الى تغيير موازين القوى الخاصة بإنتاج الرئيس. لكنّ ذلك لا يحول دون المخاوف مما قد تؤدي اليه تردداتها في الجلسة السادسة من مفاجآت متى دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الخميس المقبل، إن أراد الحفاظ على المسلسل الأسبوعي الدوري لها.

 

وإن دخل البعض في تفاصيل ما جرى، وما هو متوقع، فالقراءات تتوقع مزيدا من التشققات النيابية التي لم تعد مستحيلة. فإلى تفكك كتلة النواب التغييريين التي انتقلت من كتلة «الـ 13» الى اكثر من كتلة قد تكون إحداها «ثنائية» وثانية «ثلاثية» وثالثة «رباعية» لتنتهي بالخامسة «السباعية»، فإنّ هناك هزّة لا يمكن إخفاؤها داخل كتلة «لبنان القوي» التي شهد اجتماعها الأخير مساء الثلاثاء الماضي نقاشا حادا حول أهمية المضي في اعتماد الاوراق البيض في المواجهة المفتوحة مع مرشح او اثنين او ثلاثة من دون التوصل الى ما يُعيد جَمعهم وضَم المعترضين على الاوراق البيض في انتظار التوافق على اسم لم يتم التوافق عليه بعد.

 

وبناء على ما تقدم، فإن الحديث عن إمكان خروج اعضاء من كتلة «التنمية والتحرير» عن إسقاط الورقة البيضاء قد أُخمِد في مهده، بعد ان تردّد الحديث عنه في بعض الصالونات المقفلة لأيام قليلة على خلفية تَباين قائم بين حركة «أمل» و«حزب الله» وهو أمر، وإن كان موجوداً، فإنه لم يصل بعد الى اي خيار استراتيجي طالما انهما مُطمئنان الى ان هذه الثنائية هي التي حفظت وتحفظ مصالحهما الى الحد الاقصى وخصوصا في المحطات الاساسية الكبرى الى حد التحكم بالاستحقاق الرئاسي، ومن يغفل هذا الواقع فهو يعيش في بلد آخر ولا يريد ان يعترف به.

 

والى الجلسة السادسة التي يمكن ان تكبر فيها التشققات النيابية يكشف المطلعون على ما يجري في الكواليس، انه وإن تجدّد السيناريو عينه في الجلسة المقبلة فستكون الاخيرة في مسلسل الجلسات الدورية المنتظمة فالمخاوف من تفكك بعض الكتل وبروز أسماء جديدة بات جدياً، ولذلك قد يطول انتظار موعد الجلسة السابعة الى وقت لا يمكن لأحد تقديره من اليوم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...