شِباك بعَبدا... والهدف الممنوع

 

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

عربة الاستحقاق الرئاسيّ يجرّها حصان من الأمام وآخر من الوراء، فحزب الله يريد رئيسا يحمي المقاومة الإسلاميّة، فرع لبنان، وقوى "السيادة" تريد رئيسا لِله لا لحزبه، وبين الحصانَين المتصبِّبَين عرَقًا يغطّ الاستحقاق الرئاسيّ في نوم عميق، ويستمرّ الفراغ في ثلاثة: القصر الجمهوريّ، والسراي الحكوميّ، والمجلس النيابيّ.

صحيح أنّ الحكومة الميقاتيّة لا تزال على قيد الحياة السياسيّة، غير أنّها عمليّا مُسوَّرة بالعجز على مستوى الفعل، وليس لها أن تضخّ شيئا من الأمل في صدور اللبنانيّين، باعتبارها جثّة سيصار إلى دفنها، بعد انتخاب لا تكون الورقة البيضاء سيّدة الموقف في صناديقه.

وليس مجلس النّمرة الزرقاء أفضل حالا، فهو مسرح لعرض واحد أسبوعيّا، والفراغ الذي فيه هو الأكثر خطورة، لأنّه يقيم في المساحات القاتلة بين الكُتَل المتنازعة والمتعارضة، والتي لا يجمعها ألّا مَن رسّم الحدود البحريّة مع العدوّ الإسرائيليّ. ولهذا الفراغ أن يستمرّ أربع سنوات، لا سيّما إذا بقي أخوه سائدا ومائدا في قصر بعبدا.

وقد تكون جلسة انتخاب الرئيس برّي، لولايته السابعة، مؤشّرا واضحا إلى أنّ الزعيم الدرزيّ وليد جنبلاط بيضة القبّان الدائمة عند كلّ استحقاق انتخابيّ. وقد صرّح جنبلاط مؤخّرا أن لا ثوابت في ترشيح أحد لرئاسة الجمهوريّة، ما يعني أنّ الساعة لم تحن بعد لإطفاء النار تحت طنجرة الرئاسة، فيملأ روّاد مسرح ساحة النجمه الورقة البيضاء بالاسم المناسب.

وإلى أن تنضج الطبخة، يحاول كلّ فريق الاستفادة من الوقت الضائع بحسب مصالحه. فالنائب ميشال معوّض يحصّن إنجازه بدخول نادي مرشَّحي الرئاسة، ويعتبر ما وصل إليه إنجازا تاريخيّا، يؤسّس لإنجازات مستقبليّة أكبر. وحزب الله يستثمر الوقت للوصول إلى مخرج لا يُبعد جبران باسيل وسليمان فرنجيّه عن محور الممانعة، لأنّه على الأرجح سيكون على حسابهما. بينما القوى "السياديّة" تتفرّغ للهجوم على نوّاب الثورة الذين لم يأتوا إلى بيت الطاعة، معلنة أنّهم سبب خراب بَصرة لبنان، في حين أنّ هذه القوى تعرف جيّدا، بحسابات الورقة والقلم، أنّ ميشال معوّض لا يمكن أن يكون الرئيس المقبل، وأنّ الضوء الأخضر سيأتي من عند السيّد حسن نصر الله، ويُدَبلَج عند الرئيس برّي، ويُعلَن من ستوديو وليد جنبلاط الذي له في كلّ يوم خبر جديد.

أمّا ترشيح الدكتور عصام خليفه فهو وفاء لوجدان الثورة، من قِبَل عدد من نوّابها الذين يرفضون مبدأ التسوية والمحاصصة، وأهمّ ما في هذا الترشيح أنّه صادِق، ووليد تسمية جريئة وحرّة ومجانيّة، فخليفه والذين رشّحوه يعلمون تماما تعذُّر الوصول إلى كرسيّ الرئاسة، لكنّهم في الوقت نفسه يعرفون أنّ القضايا الحقيقيّة تُخاض حروبها بوضوح، سواء كان لها شرف الانتصار أو شرف الخسارة.

ومن اللافت أن لا أحد من شَتّامي الثورة يطلق العنان لحنجرته في اتّجاه النّوّاب السُّنّة المعتصمين بورقتهم البيضاء، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في ساعة الحسم الأخيرة، وذلك لأنّهم محصَّنون سعوديّا، على الأقلّ من حيث الشكل. وكذلك أيضا، ينجو جنبلاط من وابل الشتيمة، لأنّ ما يصل إليه مع برّي لا يستطيعه زعماء "السيادة". 

في زمن المونديال، يبدو لاعبو السياسة عندنا في أزمة كبيرة، فلا أحد منهم يستطيع تسجيل هدف نظيف.


إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...