البلد يتدحرج في "حفرة" الفراغ الرئاسي والبرلمان على عَجْزه

 

جاء في "الراي الكويتية":

لم يُشكّل عَدّادُ الفراغ الذي انقضتْ «عشريّته الأولى» (منذ 1 نوفمبر الجاري) أيّ دافعٍ للقوى السياسية في لبنان لإنهاء لعبة «عض الأصابع» وانتخاب رئيسٍ للجمهورية يفكّك الأزمات المتشابكة التي «يختنق» بها الوطن الصغير وشعبه المنكوب.

وجاءت الجلسة الخامسة التي عقدها البرلمان أمس، وهي الأولى التي تلتئم منذ بدء الشغور الرئاسي، لتؤكّد المؤكد لجهة أن التقاطعات الداخلية والخارجية لم تتوافر بعد لتوفير «منطقة آمنة» سياسية يُستولَد في ظلالها الرئيس الـ 14 للبنان.

وفي موازاة المؤشرات «الرقمية» التي عبّر عنها التقدُّم الثابت للمرشح ميشال معوّض مدعوماً من الأحزاب السيادية بالمعارضة ومستقلّين والذي باتت الأصوات المؤيّدة له تلامس الـ 50، فإن جلسة أمس انطبعت بتراجعاتٍ على أكثر من مستوى:

- تجديد «الجدال البيزنطي» حول نصاب جلساتِ الانتخاب الرئاسية ما استدرج ما يشبه «حوار طرشان» بين عدد من النواب لاسيما رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ورئيس البرلمان نبيه بري الذي انزلق إلى جوابٍ أثار ردودَ فعلٍ بالغة السلبية نيابياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حين سأله الأول على أي مادةٍ يستند لتحديد نصاب الجلسات الرئاسية بكل دوراتها (الثلثان أو النصف زائد واحد)، إذ قال «مادّي إجريها من الشِبّاك».

- مطالبة بعض النواب وبينهم ملحم خلف بإبقاء البرلمان جلساته مفتوحة ومتواصلة بدوراتٍ متلاحقة لضمان انتخابِ رئيسٍ عوض استمرار ما وصفه النائب نديم الجميل «المسخرة» التي لا توصل الى نتيجة.

- انحسار كتلة الورقة البيضاء إلى 47 بفعل غياباتٍ لعدد من نواب الموالاة الذين لم يبدّلوا حتى الساعة استراتيجية استخدام سلاحيْ: «المرشح الشَبح» المغلّف بأوراقٍ بلا اسم في الدورة الأولى من جلسة الانتخاب، ثم تطيير نصاب الدورة الثانية تحت شعار عدم وجود توافق على مرشِّحٍ جامع ورفْض «رئيس التحدي» وهو ما تجدّد أمس.

- تَوَسُّع قاعدة الدعم النيابي لمعوض من 43 صوتاً إلى 44 أُسقِطوا في صندوقة الاقتراع، مضافاً إليهم 5 أصوات لنواب غابوا عن الجلسة، ما يكرّس مضيّ أكثر من ثلثي فريق المعارضة في تأييد هذا الترشيح.

وترسّخ هذه المعادلة الرقمية، وفق أوساط مطلعة امتلاك هذا «البلوك» مفتاحاً ثميناً لقفل الطريق أمام أي محاولةٍ من «حزب الله» وحلفائه لفرْض رئيسٍ من الموالاة، وهو ما «يحمي» تالياً التوازن السلبي داخل البرلمان ويتيح لأحزاب المعارضة الجلوس من موقع قوة على «طاولة التسوية» حين تدق ساعتها فتكون لها في «الرئيس التوفيقي» حصّة وازنة ترتفع كلما تمدّدت «كتلة الـ نعم» لمعوض الذي يستحيل انتخابه في ضوء «فيتو» قوى 8 مارس عليه.

- نزوح المزيد من أصوات النواب التغييريين والسنّة المستقلين نحو التصويت لمعوض، لتتوزّع أوراقُ الآخَرين والنواب من قدامى «المستقبل» بين التصويت لعصام خليفة (6 أصوات) و«لبنان الجديد» (7 أصوات)، فيما أُسقطت ورقةٌ حملت اسم زياد حايك وأخرى اسم الوزير السابق زياد بارود وثالثة «لأجل لبنان»، فيما ألغيت الورقة التي وضعها النائب التغييري ميشال دويهي (كتب عليها «الخطة ب»).

ومن خلْف غبار لعبةِ الـ «لا انتخاب» و«ألاعيبها»، جاء تغريد نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب خارج سرب الورقة البيضاء التي التزم بها تكتله، أي «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل، مدجَّجاً بما بدا أبعد من مجرّد تمايُز داخل «البيت الواحد»، حيث تمّ التعاطي مع حركة بوصعب على أنها: إما انعكاساً لابتعادٍ يتزايد عن التكتل لاعتبارات «الخصوصية» أو الاعتراض.

وإما من «عُدة الشغل» و«الرسائل السبّاقة» بأن «لبنان القوي» وبإزاء الدعم المستتر لحزب الله وبري للمرشح غير المعلَن سليمان فرنجية يقترب من إنهاء حال «التخفي» بـ «الستارة البيضاء» ومن النزول إلى المعركة الرئاسية «بالاسم».

وفي حين ربطتْ بعض الدوائر تجديد تكتل «لبنان القوي» منْح «فرصةٍ غير مفتوحة زمنياً» للورقة البيضاء والبقاء في «الدائرة الرمادية» رئاسياً بتواصلٍ مباشر أجراه «حزب الله» عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا مع باسيل (تغيَّب عن جلسة أمس بسبب السفر إلى قطر) حيث عُقد لقاء بين الرجلين (الثلاثاء)، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن الأمر لا يقتصر فقط على تمني الحزب على رئيس «التيار الحر» تأخير هذه الخطوة التي ستعني، بمعزل عن الاسم الذي سيرشّحه الأخير، «نسفَ الجسور» علناً مع فرنجية وإحراج «حزب الله» في مفاضلةٍ مبكّرة بين حليفيه قد تستدرج «خربطةً» في الحسابات التي تحكم مقاربته للاستحقاق الرئاسي بمختلف سيناريوهاته.

وفي رأي هذه الأوساط أنه في موازاة الخلاف الجوهري الذي يعصف بفريق الموالاة انطلاقاً من «الخط الأحمر» الذي يرسمه باسيل أمام وصول فرنجية، فإن ثمة تباينات داخل «لبنان القوي» ترخي بثقلها على تعاطي هذا التكتل ورئيسه مع الملف الرئاسي والموقف من «الورقة البيضاء» وتوقيت «الاستقالة منها».

وبحسب الأوساط، فإن مجرّد طرح باسيل اسماً غيره للرئاسة فإن هذا سيعني تسليماً صريحاً بانتفاء حظوظه لدخول قصر بعبدا، وسط اعتقاد هؤلاء أن رئيس «التيار الحر»، المرشّح غير المعلَن، لم يرفع بعد «الراية البيضاء» وأنه مازال يقيس الاحتمالات قبل حسْم أمره و«تجيير» ورقة ترشيحه إلى اسمٍ إما يكون «رميه» في سياق إشعال عود ثقاب لـ «حرْق» فرنجية وإما لتكريس «أسبقية» لباسيل في مسار «صناعة الرئيس التوافقي» وإبرام «صفقة» متكاملة وفق معادلة «رئيس في بعبدا وحاكِم خارجه».

وإذ تستحضر الأوساط في السياق نفسه المعلومات التي تحدثت أيضاً عن تباينات داخل تكتل باسيل حيال «أفضلية» الأسماء البديلة التي يمكن طرحها من ضمن التكتل أو خارجه وهو ما يعكس عدم جاهزية داخلية للتخلي «الآمن» عن الورقة البيضاء، تشير إلى أن هذه الورقة باتت للمرحلة المقبلة بمثابة «كاشف للأضواء» وتحديداً في مقلب «حزب الله» - بري بحيث أن لجوء كليهما أو واحداً منهما لإسقاط اسم فرنجية في جلسة انتخابٍ بمعزل عن القبول «المستحيل» من رئيس «التيار الحر» سيكون إيذاناً بتظهير الانسداد الرئاسي وفق ترشيحيْن وازنيْن معلَنيْن بما يفتح الباب أمام رئيسٍ توافقي بـ «بروفايل» إما أمني - عسكري على غرار قائد الجيش العماد جوزف عون أو مالي - اقتصادي مثل الوزير السابق جهاد ازعور أو اسم آخَر تتوافر له مظلة الحد الأدنى من التقاطعات.

المصدر : الراي الكويتية

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...