النافعة "غطّت" موقوفين في قضايا مخدرات.. وسلوم فرضت "خوة" على المرتشين

 

التحقيقات التي تجريها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في ملف «مغارة النافعة» قد تكشف عن ملفات تفوق في أهميتها حجم التلاعب في رخص السوق أو تزويرها، إلى تقاضي رشى للحؤول دون الحجز على ممتلكات موقوفين.

«الأخبار» اطّلعت على كتاب مؤرخ في 15 كانون الأول 2020 مرسل من «مكتب الجرائم المالية وتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب» التابع لقوى الأمن الداخلي إلى «هيئة إدارة السير والآليات والمركبات» يضم أسماء أكثر من 30 موقوفاً على ذمة التحقيق بقضايا على صلة بالإتجار بالمخدرات والبشر، يطلب فيه تزويده بما يمتلكه هؤلاء من سيارات وآليات مسجّلة بأسمائهم. إلا أن الهيئة لم تردّ على المراسلة رغم تكرار المكتب الطلب في تواريخ أخرى، بما يحول دون فرض إجراءات الحجز على ممتلكات الموقوفين أو المشتبه فيهم ومنعهم من التصرف بها.

تجاهل الهيئة طلبات قضائية رسمية كما تمليه الواجبات الوظيفية يثير شكوكاً في وجود ضالعين على مستوى عال في تغطية التلاعب في النافعة. إذ إن المكتب يوجّه في العادة رسائله إلى رئاسة الهيئة التي ينبغي عليها الرد بما يتيح تطبيق إجراءات الحجز على الممتلكات لعدم ترك حرية التصرف بها للموقوف أو لمن يوكّله، ما يتسبب في تكبيد الدولة خسائر، ويساهم في إثراء الموقوف من وراء تجارته غير المشروعة.

ففي العادة، لدى توقيف متورطين أو مشتبه فيهم في ملفات الإتجار بالمخدرات أو البشر، تصدر مذكرة بالموقوفين وتُحال نسخة عن محضر التحقيق إلى «مكتب الجرائم المالية وتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب» الذي يتولّى فتح محضر، بإشارة من النيابة العامة التمييزية، ويراسل كلًّا من المديرية العامة للشؤون العقارية وهيئة إدارة السير والمركبات ومكتب المستندات والمحفوظات ومصرف لبنان لتزويده بممتلكات الموقوفين وبعد تلقّي الردود يُحال المحضر إلى «هيئة التحقيق الخاصة» في مصرف لبنان، مع طلب بالحجز على ممتلكات (شقق، أراض، سيارات أو آليات) وأموال الأشخاص المشمولين في التحقيق. بعدها وعملاً بالروتين، تصدر مراسلة من «هيئة التحقيق الخاصة» بالمصرف إلى النيابة العامة التمييزية تتضمن شرحاً ورأياً في أساس الطلب. بدورها، تُرسل النيابة العامة التمييزية نسخة إلى القضاء المختص الناظر في الجرم الأساسي (إتجار بالبشر أو بالمخدرات) ليصار على ضوئه إلى إصدار طلب بالحجز على الأموال ومصادرتها.

غالباً، بحسب المصادر، كانت الردود على طلبات المكتب تأتي ضمن المهل المحددة، باستثناء تلك التي تُرسل إلى رئاسة هيئة إدارة السير التي كانت ترد متأخرة جداً، وفي أحيان كثيرة تمتنع عن الرد!

من جهة أخرى، لم تُفلح الضغوط السياسية في الحؤول دون توقيف رئيسة هيئة إدارة السير والآليات هدى سلوم في أكبر ملف فسادٍ في تاريخ الهيئة، والذي أدى حتى الآن إلى توقيف 43 شخصاً من الموظفين ورؤساء المصالح ومعقبي المعاملات.

المحامي العام الاستئنافي نازك الخطيب استجوبت سلّوم على مدى 8 ساعات، وواجهتها باعترافات أدلى بها عدد من الموظفين الموقوفين الذين أكّدوا أنّهم كانوا «مجبرين» على دفع «خوّة» أسبوعية لـ«الإدارة»، يحصّلونها من الرشى التي «تُجبى» من جيوب المراجعين لتمرير معاملاتهم.

كذلك وُوجهت سلوم، أثناء التحقيق، بأدلة تثبت تقاضيها أموالاً ومجوهرات بعد إخلاء سبيلها عقب توقيفها في ملف مشابه عام 2019، ثم إطلاق سراحها بعد ضغوط سياسية كبيرة قادها قريبها النائب السابق هادي حبيش الذي اقتحم أمام الكاميرات مكتب مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون ووجّه إليها تهديدات احتجاجاً على توقيف سلوم يومها.كما عُرضت على سلوم إفادات أدلى بها موظفون موقوفون اتهموا فيها رئيسة الهيئة بفرض «خوة» عليهم لتقاضيهم رشى من المراجعين وأوضح هؤلاء أنّ إدارة النافعة كانت تفرض على كل موظف، تبعاً لمركزه، دفع مبلغ يبدأ من 4 آلاف دولار أسبوعياً (عندما كان الدولار يساوي 1500 ليرة) وفي حال الامتناع يتم منعه من العمل أو «تجميده» ما يحول دون قدرته على تسيير المعاملات لذلك، كان هؤلاء «يُجبرون» على الانخراط في نظام الفساد القائم: يتقاضون رشى من المراجعين، ويقتطعون نسبة منها للإدارة ويحتفظون بالباقي.

وكشف التحقيق أنّ «مفتاح» سلوم كان موظفاً يدعى ن. برهوم تقاعد عام 2019، وتحول بعدها إلى معقّب معاملات، وأنه هو من كان يجمع «الخوة» لمصلحة رئيسة الهيئة.

غير أنّ اللافت أنه رغم وصول قيمة الرشى إلى مليارات الليرات، لم يثبت التحقيق وجود هدر للمال العام! إذ إن الرسوم المستحقة للدولة كانت تُستوفى كاملةً. وبالتالي، فإنّ الأموال كانت تُسرق من المواطن مباشرة تحت طائلة عدم إنجاز معاملته في حال عدم الدفع. وبحسب مصادر مطلعة على التحقيق، تبين أنّ الموظفين والمعقبين كانوا يبتزّون المواطنين لإنجاز معاملاتهم مقابل مبالغ مالية لضمان عدم عرقلة معاملاتهم. ولم يستطع المحققون إلى اليوم إحصاء حجم المبالغ التي كانت تُقبض شهرياً في النافعة، لكن التقدير الأولي يشير إلى أنّ «أصغر موظّف كان يُحصّل 80 مليون ليرة على الأقلّ أسبوعياً مقابل يومي دوام»، أي بمعدل 40 مليون ليرة يومياً.

كذلك بيّنت التحقيقات أن كل الموقوفين لدى فرع المعلومات هم ممن سبق أن أُوقفوا في ملف الفساد الذي فُتِح عام 2019 لدى جهاز أمن الدولة. وقد أدلوا بمعلومات تفصيلية أمام محققي الفرع لم يسبق أن ذُكِرت سابقاً وعلمت «الأخبار» أنّ القاضية الخطيب استحصلت بصورة رسمية على محاضر التحقيقات التي أجريت لدى أمن الدولة في ملف الفساد عام 2019 من القاضي شربل أبو سمرا. وبعد مقارنتها تبين أنّ الوقائع الجديدة لم يتم ذكرها في التحقيقات السابقة وهذا ما يدحض ما يُحاول المتضررون الإيحاء به لجهة الزعم بوجود سبق ادعاء. وقد بيّنت التحقيقات الجارية منذ نحو شهرين أنّ ارتكابات جديدة حصلت منذ 2019 إذ عمد الموظفون المتورطون إلى إجراء تغيير كامل في آلية تقاضي الرشى مستفيدين مما حصل أثناء استجوابهم في التحقيق لدى أمن الدولة.التحقيق لم ينته بعد وقد أحيلت سلوم مع بقية الموقوفين أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور في ظل حديث عن ضغوط سياسية تمارس من أطراف مختلفة لإخلاء عدد من هؤلاء يتزامن ذلك مع تعطيل كبير في نافعتي الدكوانة والأوزاعي ما يجعل لزاماً على وزير الداخلية بسام المولوي التدخل لوضع حارسٍ لتسيير هذا المرفق العام.

رضوان مرتضى وعبدالله قمح - الاخبار

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...