مدارس لبنان أسواق حرّة... والطلّاب "أبناء كار"!

 

أتتخيّل أن يجني إبن التسعة أعوام آلاف الليرات من رفاقه في الصفّ لقاء "تجرة صغيرة" وأن تتحوّل مقاعد الدراسة واحةً لصفقات تجارية؟ هذا المشهد لم يعد غريباً عن مدارس لبنان، حيث انخرط الصغار في أعمال الكبار وبات الأطفال "أبناء كار"!

الأمر أبعد من تكوين الشخصية المالية للطفل وتنمية روح المسؤولية لديه، فالأزمة الاقتصادية قرعت أبواب اللبنانيين واستقرّت في منازلهم، ناهشة سلام الآباء ومنتهكة الطفولة. وبما أن الحاجة تبرّر كلّ الأعمال، استغلّ بعض الأهالي براءة أولادهم ودمجوها باكراً في سوق العمل تحت ذريعة "الحثّ على المسؤولية وتعليم مبادئ الجني والادخار" إنطلق هؤلاء من تعزيز القدرات والمهارات الى ثقل الثقافة المالية فإنشاء مصدر دخل إضافي للأسرة... وهكذا تسلّلت التجارة الى الصفوف.

تفاوض وعروضات... ومضاربة!

"السوار بعشرة آلاف والطقم بثلاثين".. أشبه بسوق حرّة، أصدقاء الصف يجرون مفاوضات في ما بينهم ويتمّمون "البيعة" بلا رقيب أو حسيب!

 
رجال أعمال صغار يعرضون "أعمالهم اليدوية" بأسعار تنافسيّة، يقدّمون العروضات ويكسبون الأموال من زملائهم؛ "لا أعلم إن كانت زميلتي قد بدأت تجارتها في الصيف الماضي، هي تبيع الخرزيّات وتقدّم لنا عروضاً. صديقنا أيضاً يُتاجر بالأساور والخواتم والخلاخيل"، تروي الطفلة ماري، ابنة التسعة أعوام ونيّف والطالبة في إحدى مدارس المتن الشمالي الخاصة.
 
هذا ويساهم بعض الأهالي- الزبائن في توسّع هذه التجارة، إذ يحضرون وأبناءهم قبل بدء الدوام المدرسي لأخذ "الطلبيّة"، بحسب ما روته والدة الطفلة ماري ل "لبنان 24".
 
غضب كبير وامتعاض: "مش ناقصنا"!
وتقول السيّدة التي فضّلت عدم البوح باسمها، إنّ "التجارة المدرسية تحدث بلبلة وامتعاضاً كبيراً لدى الأهالي الذين يعانون أصلاً بسبب الأقساط المدرسية والقرطاسية". وتشير السيّدة في حديث لموقعنا الى أن "ابنتها جاءتها يوماً طالبة مبلغاً وقدره مئتي ألف ليرة لبنانية لشراء أساور و"خزعبلات" من زميلتها"، وتضيف المرأة: "انفجرت صغيرتي بالبكاء لرفضي منحها المبلغ وقالت إنها تريد شراء الزينة كزميلاتها في الصف".هذه الأمّ لم تكن الوحيدة التي سجّلت اعتراضاً على هذه الظاهرة، "مجموعة أهالي طلاب صف ابنتها" على تطبيق "واتساب" تشهد على تعليقات الأهالي وغيظهم الشديد ممّا يحصل في حرم المدرسة".
 
لكثرة الشكاوى، منعت إدارة المدرسة تبادل الأشياء بين التلاميذ ونشرت النظّار في زوايا الملعب لكبح أي تبادل تجاري داخل أسورتها، وفقاً لما ذكرته السيدة لموقعنا.

الظاهرة محدودة ولكن...
هذه الظاهرة لا تزال محدودة ولم تتخطّ بعد عدداً من المدارس الخاصّة، إلّا أن تصويب الانتباه باتجاهها ضروريّ لما لها من تأثيرات على المستوى التعليمي والنفسي للطلّاب؛ فبحسب رئيسة اتحاد لجان الأهالي في المدارس الخاصّة، لما الطويل، ما يحصل في بعض المدارس "غير صحّي" على المستوى النفسي للتلامذة.

الطويل تعتبر أن "لا بدّ من إشراف إدارة المدارس على ما يجري في أروقتها، فالـ"small business" قد تُكسب أبناءنا مصروفاً إلّا أنها لا تنفّذ ويروّج لها داخل صرح تربويّ، ومن هنا ضرورة تفعيل الدور الرقابي للإدارات لمنع المبادلات التجارية".
 
أمّا عن دور لجان الأهل في التصدّي لانحراف تركيز الأولاد عن المنحنى التعليمي في المدارس وتلهّيهم بكسب المال، فتؤكّد رئيسة اتحاد اللجان في حديث لـ"لبنان 24" أن دور الأهل يبدأ لدى تبلّغهم بأي تبادل تجاري خارج اطار النشاطات المدرسية، داعية إيّاهم للتنسيق مع إدارات المدارس لوقف هذه الظاهرة التي تؤثّر سلباً على الأطفال وتشعرهم بالفوارق الطبقية في ما بينهم لناحية القدرة على الشراء من عدمها.
 
أكاديميّاً... حافز ضمن إطار
قد يؤدي هذا النوع من التجارة داخل المدارس أيضاً الى تراجع معدّلات الطلّاب، فالاهتمام سينصبّ نحو مصدر الرزق وكيفيّة مضاعفة الأرباح... هذه الحالة قد لا تنطبق على الجميع. فالطلّاب مدركون أنّهم "يسترزقون" لمساعدة أولياء أمرهم، وهم أيضاً على يقين أن "بالعِلم باستطاعتهم تطوير قدراتهم"، وفقاً لماري منذر، وهي مشرفة اجتماعية في مدرسة خاصّة.
 
منذر، الداعمة لهذه المشاريع الصغيرة التي تعزّز وتنمّي الجانب الإبداعي لدى الأطفال، تشير في اتصال مع موقعنا إلى"دور المدرسة في ايصال رسالة تربوية ومباشرة للتلامذة، توضح من خلالها أهميّة مشاريعهم التجارية وتحدّد لهم إطار تنفيذها".وبالعودة الى الإطار الأكاديمي، لا تخفي منذر تشجيعها لهذا الأسلوب الرائج حديثاً في تنمية مهارات وشخصيّة الأطفال، معتبرة أنه "لا يعيق تحصيلهم العلمي بل على العكس، يشكّل حافزاً لهؤلاء إذا ما أُبعد "الترويج والبيع" عن مقاعد المدارس".
 
هذا وتلفت الاخصائية الاجتماعية إلى أنه "في ظلّ الأزمة الراهنة، أصبح اللجوء الى تجارة "الصناعات اليدوية" حاجة لتأمين مردود ماديّ، ونحن نلاحظ اندفاع الطلاب للعمل في مسعى منهم لمساعدة أهلهم"، موضحة أن هذا النوع من "الأعمال" أفضل من غيره؛ فهنا الأهل يقدّمون المساعدة لأبنائهم، إنما حين يلجأ الأطفال الى "أشغال" تتطلّب مجهوداً مضاعفاً بعد دوامهم المدرسي فربما تكون النتيجة ترك التعليم".
 
قد لا تندرج المشاريع التجارية الصغيرة التي يُنشئها الطلّاب ضمن خانة "عمالة الأطفال" وقد لا تجوز مقارنة الواحدة بالأخرى، ولكن تسلّل "التجارة الخفيفة" الى المدارس يستدعي تدخّلاً ردعيّاً سريعاً؛ فمهما عصفت الأزمات بمجتمعنا، تبقى لكلّ دار.. حرمتها!
المصدر: خاص "لبنان 24"

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...