خطرٌ دائم يهدّد الدستور اللبناني... مَن يفسّره ويحسم الجدل؟

 

يكثر الجدل الدستوري مؤخراً في البلاد، في ضوء تعدّد التفسيرات لمادة دستورية واحدة، كلٌ يفسّرها بحسب مصالحه وأهوائه السياسية، ممّا يُعيدنا إلى السؤال الأساس، من يُفسّر الدستور، ومن يجب أن يُفسّر الدستور، في حال وُضعنا أمام آراء عديدة بمسائل أساسية؟

وقد سُجّلت آخر النقاشات في الجلسة الخامسة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، حينما افتتحت معركة نصاب الدورة الثانية وما يليها، التي يجب أن يُنتخب فيها الرئيس بالأغلبية المطلقة، ليسأل النائب سامي الجميل الرئيس نبيه بري، عن المادة التي استند إليها بشأن نصاب الثلثين في الدورة الثانية؟ ليجيب الأخير، على "المادة إجرها من الشباك"في هذه المسألة تحديداً، يستند بري على رأي دستوري قديم يقول بأن نصاب الدورات التي تلي الأولى، يجب أن يكون الثلثين لضمان حضور غالبية الأطياف، في حين يراه آخرون بنداً عاثراً أمام إرادة بعض المكوّنات بقطع الطريق أمام التعطيل الذي ينفّذ عبر تكتلات سياسية وازنة، ممّا يوصلنا إلى الفراغ.

ولكن كل هذه التفسيرات لا تتعدى كونها آراء، ولحسم الجدل يجب أن تخضع هكذا مسائل الى جهة مخوّلة تفسير الدستور.

في هذا الشأن، أكّد مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، أن من يُفسّر الدستور اليوم، هو مجلس النواب، ولكن اتفاق الطائف نصّ على أن الجهة المخوّلة تفسير الدستور هي المجلس الدستوري، ولكن في لبنان تمّ اعتماد المجلس النيابي لهذه المهمة".

وقال ماضي لـ "ليبانون ديبايت"، إن "من قام بإعداد القانون، انتزع من المجلس الدستوري هذه الصلاحية وأعطاها للمجلس النيابي". وبالتالي، فإنه على المجلس، أن يُفسّر مسألة نصاب الدورات التي تلي الأولى، إنما الرئيس بري يعتمد التفسير الذي يستند عليه من دون عرضه على المجلس. ولكن قيام المجلس النيابي بهذا الدور، يجعل الدستور، عرضةً للتفسير على هوى الأكثرية وما يتناسب مع مصالحها، ذلك أن مسألة الجهة المخوّلة تفسير الدستور هي نفسها عرضة للجدل في لبنان.

وفي قراءةٍ للدستور الفرنسي، يتبيّن أنه خصّص باباً خاصاً للمجلس الدستوري يتناول في أحد موضوعاته صلاحيات المجلس، مشفوعاً باجتهاات صادرة عن المجلس الدستوري نفسه، لا يُستشفّ منها أيّ استنتاج يدّل على صلاحية المجلس الدستوري الفرنسي في تفسير الدستور، خلافاً للنموذج الألماني الّذي يتيح للمحكمة الدستورية صلاحية تفسير الدستور، وذلك في نصٍّ صريح وواضح.

في الخلاصة، على المجلس النيابي اليوم أن يفسّر الدستور، ولكن ليس من منطلق الآراء المعتمدة سابقاً، وإنما بعد عرض المسائل الجدلية على المجلس، كأن يُصار إلى وضع نصٍّ صريح يُحدّد أولًا الجهة المخوّلة تفسير الدستور، ومن ثمّ اعتماد نصوصٍ تفسيرية أصلية، تكون المرجع النهائي للمسائل العالقة، لا اللجوء إلى نصوصٍ مُبهمة تُفسّر فقهياً وتبقى خلافية بين جموع الدستوريين

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...