"البلد ما بيضاين لـ شباط"... الدولار إلى 65 ألفًا والنمو متفاوت بين القطاعات

 

كتبت إيفانا الخوري في "السياسة": 

يعوم لبنان على ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم العربي لكنّ الأزمة الاقتصادية الصعبة وحدها التي تطفو، في ظلّ انهيار حرّ لا توقفه إجراءات ولا إصلاحات. 

وبعد انتهاء موسم سياحي حافل، يتحضر لبنان اليوم لشتاء صعب اقتصاديًا إذا ما استمرّ الشغور الرئاسي والتعاطي السلبي المرتكز على اللّامبالاة تجاه الأزمة المستمرة منذ العام 2019. 

غير أنّ تقرير "فيتش" الصادر أمس أتى إيجابيًا مع توقعها أن يشهد إنفاق الأسر في لبنان تحسّنًا في مستويات النمو في العام 2023، مع إدخال التحويلات النقدية للأسر الضعيفة وتدفقات تحويلات قوية مع انتقال المزيد من المواطنين اللّبنانيين إلى الخارج هربًا من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ولفت التقرير الى أنّ الإنفاق الأسري الحقيقي في لبنان سينمو بنسبة 3% على أساس سنوي خلال العام 2023، مشكّلًا تحسنًا من معدل نمو بنسبة 1.2% في العام 2022، وانكماشًا بنسبة 12% سنة 2021.

 فهل يتطابق التقرير مع الواقع على الأرض؟

الاقتصادي الدولي روي بدارو يشدد على أنه لا يمكن الحديث حاليًا عن معدل نمو وسطي مثلما فعلت "فيتش"، لأنّ التفاوت في النمو بين القطاعات والمناطق ونوع العمل هو ما يحصل على الأرض اليوم. مشيرًا إلى وجود تفاوت في المداخيل وطبيعتها لا فقط في المناطق لا بل في القطاعات أيضًا. 

ويقول بدارو: لدينا معدلات نمو متفاوتة لأننا نمر بـ "مرحلة التوتر العالي"، فجزء من المواطنين يتقاضون رواتبهم بالدولار وجزء آخر باللّيرة اللّبنانية خاصة في القطاع العام. 

أمّا الإيجابي الذي يراه  الاقتصادي المخضرم روي بدارو في حديثه لـ "السياسة"، فيكمن في وجود تحسن ملحوظ في بعض القطاعات سيما المرتبطة بالسياحة والمطاعم والفنادق والملاهي اللّيلية وأماكن الإقامة في الجبال وذلك لأنها تعتمد بشكل أساسي على الأموال الخارجية. ويحذر من أنه ورغم بدء تحسن أحوال هذه القطاعات إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ هذا الصعود غير محفوف بالمخاطر لأنه يتأثر بالأوضاع السياسية والأمنية بشكل مباشر خاصة في فترة الشغور الرئاسي. 

ويؤكد بدارو أنّ البلد برمته بدأ يتأقلم مع الوضع الحالي وصار الوضع في الصيدليات على سبيل المثال أفضل حيث عادت الأدوية إلى الرفوف وبالنسبة للمستشفيات فقد بدأ وضع تلك التي تعتمد على أموال الأفراد المرضى وشركات التأمين التي دولرت أسعارها منذ أيار الفائت يتحسن، فيما نرى المشافي التي تعتمد على القطاع العام والضمان في وضع صعب للغاية. 

وبالعودة إلى معدل النمو، فيعتبر بدارو أنه لن يكون سلبيًا وقد يصل إلى الـ 4% رغم أنه يفضل أن لا يتم الحديث عن معدل نمو وسطي في ظلّ هذه الفوضى.  

الدولار إلى الـ 65 ألف ليرة

شهد لبنان ارتفاعًا كبيرًا ومتواصلًا في نسبة غلاء المعيشة وصلت منذ بداية العام 2020 وحتى نهاية شهر آب 2022 إلى 272%، وفقًا للبيانات الصّادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. إلّا أنّ ارتفاع الأسعار قد تجاوز النسبة الرسمية المعلنة، وربما تعدّى الـ 500%. حيث ارتفعت أسعار السلع المستوردة بنسبة تجاوزت ارتفاع سعر صرف الدولار، كذلك الأمر مع السلع المنتجة محليًا. 

وفيما يعاني اللّبنانيون من التضخم القاتل والمساهم بـتآكل رواتبهم الهشة، توقع فريق المخاطر التابع لـ"فيتش" أن يتباطأ تضخم أسعار المستهلكين في لبنان في العام 2023 إلى متوسط 60% من 178.8% في 2022.

في السياق، يتحدث بدارو عن عناصر يرتبط بها التضخم وهي: 

أولًا: الأسعار في الخارج وقد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بفعل أزمة كورونا والحرب الروسية – الأوكرانية. 

ثانيًا: نوع العملة التي يتم الاستيراد من خلالها: أي الفارق بين صعود الدولار وتدني اليورو. 

ثالثًا: سعر الصرف في السوق الحرّة والتي يتم التسعير وفقًا له أساسًا في المحال. 

ورابعًا: معدل العدوى  أم التسرب بين ما سبق وإلى أسعار السوق (Pass-through): أي وبطريقة أخرى، تُظهر دراسة بدارو أنّ معدل هذه العدوى يكون أقلّ من 1 حين تكون السلع منتجة محليًا بفعل وجود التنافس وأكثر من 1 حين نتحدث عن سلع يتم استيرادها في ظلّ وجود احتكارات تمنع التنافس وخفض الأسعار. مع الإشارة إلى أنّ معدل العدوى يجب أن يكون دومًا أقل من 1. وهنا يشدد على أنّ فك هذه الاحتكارات سيؤدي إلى انخفاض الأسعار حكمًا بنسبة تتراوح ما بين 15% إلى 20%. 

وعليه، يتوقع بدارو أنّ "فيتش" قد أعلنت بشكل مبطن أنّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء قد يصل إلى 60 أو 65 ألف ليرة إن لم نصل إلى حلّ سياسي قريبًا عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس حكومة يحظيان بقبول وثقة الدول التي تُدخل العملة الصعبة إلى لبنان، أي الدول الخليجية والأوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، لافتًا إلى أنه لا يعتقد أنّ الشغور الرئاسي سيستمر إلى ما بعد شهر شباط وذلك لأنّ "البلد ما بيضاين". 

وبالحديث عن الأسعار، فقد لوحظ أنّ المحال التجارية سيّما "السوبرماركت" تُسعر وفقًا للـ 47 ألف ليرة لبنانية رغم أنّ الدولار في السوق السوداء لا يتجاوز الـ 41 ألف ليرة لبنانية مع الإشارة إلى أنّ هذه التسعيرة ترتفع أكثر مع كلّ ارتفاع للدولار الأسود بطريقة غير منطقية وتعكس حجم الفوضى الحاصلة. 

بدارو: الكيس مبخوش

يحتل لبنان المرتبة الـ20 عالميًا في احتياطي الذهب، وفق تصنيف مجلس الذهب العالمي، ويتصدر المرتبة الثانية عربيًا بعد السعودية (لديها 323.1 طنًا)، إذ يملك 286.8 طنًا، أي نحو 10 ملايين أونصة تناهز قيمتها 17 مليار دولار. فهل يكون الحلّ باللّجوء إلى هذا الاحتياطي؟

يرى بدارو في هذا الإطار أنّ ومن دون إصلاحات، لو وُضع الذهب والألماز سويًا فإنّ الوضع لن يتحسن سيّما مع هذه المنظومة لأنها ترفض إيجاد الحلول للخروج من الأزمة. ويضيف: طالما "الكيس مبخوش" فإنّ كل ما يوضع فيه سيذهب هباءً. 

لبنان بلا شبابه

وأمام هذا الواقع الصعب، ما زال لبنان يعاني من هجرة شبابه الذين يشكلون الطاقة الرئيسية لأي تحسن في المستقبل ويمكن القول إنّ البلد بدأ يفرغ من أبنائه. 

وفي التفاصيل، كتب رئيس "الدولية للمعلومات" جواد عدرا على حسابه عبر "تويتر" أنّ عدد الذين غادروا لبنان من عام 1992 إلى عام 2018 نحو 600 ألف مواطن ومواطنة. وقد نصل، بعد احتساب الأعداد من 2019 إلى نهاية 2022، إلى نحو 875 ألفاً. أما عدد المهاجرين‏ والمغادرين منذ بداية عام 2022 حتى منتصف شهر تشرين الأول فبلغ 42.200 مقارنة بـ65،172 خلال الفترة عينها من العام الماضي. هذا يعني أن نحو 107.372 مواطنة ومواطناً غادروا لبنان في أقل من عامين، وقد يصل أو يتجاوز عددهم 130 ألفاً حتى كانون الأول 2022. وختم تغريدته بالقول "إن الحكومات المتعاقبة لم تعمل، أو لم تتمكن من الحد من الهجرة، بل لعلها شجّعتها عملياً بسياساتها المتبعة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...