الترسيم يترنّح.. هل تتحوّل خطوط الغاز «خطوط نار»؟


 كتبت "الراي الكويتية": 

في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل زِرّا التفجير والانفراج على اللوحة نفسها، وفي «كوليرا المُرْعِب» زِرّا احتواءٍ أو تفشٍّ على الرقعة عيْنها، وفي الانتخاباتِ الرئاسية أزرارُ تَحَكُّمٍ يزيد من «فقدانِ السيطرةِ» عليها تَرنُّحُ ملف تأليف «حكومةِ الفراغ»، بـ «صندوقها الأسود» وأسرارها التي لم تعُد سراً على أحد.

هكذا كان المشهد أمس في بيروت على وقع اهتزازِ مسار الترسيم البحري في أمتاره الخمسة الأخيرة بتأثيراتِ عصْف الانتخابات الإسرائيلية على الموقف من الملاحظات اللبنانية على المسودة التي قدّمها الوسيط الأميركي ووقوع هذا الملف أسير أولويتين (للحكومة الإسرائيلية الحالية كما الإدارة الأميركية) قد لا تلتقيا وهما، ضمان فوز يائير لابيد في «تشريعية 1 نوفمبر»، وإبرام الاتفاق مع لبنان تفادياً لتحوّل الخطوط البحرية «خطوط نار».

ولم يحجب هذا العنوان الاستراتيجي الأنظار في بيروت عن مسألتيْن بارزتيْن:

- تسجيل لبنان للمرة الأولى منذ نحو 3 عقود حالتيْ «كوليرا» (في مخيم للنازحين السوريين في عكار - الشمال) قُرع بإزائهما «ناقوس الخطر» من انفلاتٍ فتّاك في ضوء «البيئة الصديقة» لهذا الوباء الذي يتغذّى من تشظيات الانهيار المالي على سلامة المياه والحق في الوصول إليها «آمنة وسليمة»، وسط معلوماتٍ عن الاشتباه بـ15 حالة أخرى بينها لطفل في عمر 5 أشهر فارَقَ الحياة، ومسارعة وزارة الصحة لتفعيل خطة الجهوزية والاستجابة على وقع مخاوف من انفلاش الحالات في ظلّ أمرين: أولهما التداخل المخيف بين مياه الصرف الصحي ومياه الشفة، وثانيهما ريّ مزروعات في مناطق عدة بالمياه الآسنة، ما يُخشى معه تسلُّل الكوليرا إلى البيوتات على عموم الخريطة اللبنانية سواء عبر الخضر والفواكه ما لم يتم تعقيمها كما يجب، أو عبر «مياه الصهاريج» المجهولة المصدر التي تُستخدم في المنازل تعويضاً عن غياب «ماء الدولة» والتي سبق أن أفادت تقارير أن غالبيتها تعبّأ من آبار ملوّثة ومتشابكة مع «المجارير».

ولم يكن عابراً أمس كلام وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض في معرض إعرابه عن «مخاوف الوزارة من انتشار أوسع للوباء في حال لم يتم تدارك الوضع في لبنان، علماً أن بؤرة الانتشار مازالت محصورة بمنطقة عكار»، عن اجتماعٍ «قد يعقد بين اليونيسيف ووزارة الطاقة والمياه كي يتأمن المازوت لضخ مياه سليمة للمواطنين».

- والمسألة الثانية تحديد الخميس المقبل موعداً للجلسة الثانية لانتخاب رئيسٍ قد تطيح بها مقاطعةٌ متوقَّعة من تكتل «لبنان القوي» (كتلة التيار الوطني الحر وحلفائه) بحجة تزامُنها مع ذكرى 13 أكتوبر 1990، أي تاريخ العملية العسكرية التي أطاحت بالعماد ميشال عون من قصر بعبدا وشارك فيه الجيش السوري وانتهت بنفي «الجنرال» إلى باريس (انتقل إليها في أغسطس 1991 بعد أشهر أمضاها في السفارة الفرنسية في بيروت) حتى مايو 2005.وفي حين جرى التعاطي مع اختيارِ رئيس البرلمان نبيه بري هذا التاريخ من بابِ «زكزكة» فريق عون وإعطاء «تمريرةٍ» لعدم توافر النصاب لالتئام الجلسة (86 نائباً من أصل 128) في ظل عدم استبعاد تضامن غالبية نواب كتلة «حزب الله» معهم وغياب التوافق على اسم قادرٍ على نيْل غالبية الثلثين في الدورة الأولى ولا على الحفاظ على نصاب انعقاد الجلسة (يبقى 86 نائباً) للعبور إلى الدورة الثانية التي يتطلب الفوز فيها غالبية النصف زائد واحد أي 65 نائباً، فإن الضغوط العربية والدولية المتصاعدة للحضّ على إنجاز الاستحقاق الرئاسي ضمن موعده الدستوري أي قبل 31 أكتوبر الجاري لا تبدو حتى الساعة كفيلةً بإحداث الاختراق المطلوب.

الخارج يضغط وعون يبدّل الأولويات

وعلى وقع التحذيرات الخارجية من تَقاطُع الفراغيْن، الرئاسي ومعه الحكومي في ضوء «ربْط النزاع» السياسي والدستوري الذي أحْدثه فريق رئيس الجمهورية مع أي انتقالٍ لصلاحياته لحكومة تصريف الأعمال الحالية، استوقف أوساطاً سياسية ما فُسِّر على أنه طيٌّ لصفحة الحكومة الجديدة قام به الرئيس عون بكلامه أمام وفد جامعة الدول العربية برئاسة الأمين العام المساعد السفير حسام زكي إذ أكد «أن الأولوية المطلقة يجب أن تكون راهناً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنّ وجود الرئيس أساسي لتشكيل حكومة جديدة وليس العكس».

وفي حين عَكَس ما يشبه «تبديلَ الأولويات» من فريق عون أن الأفق المسدود حكومياً بات يشي بشبه استحالةِ فكفكةِ التعقيدات خلال الأسبوع الطالع بعدما حاول «التيار الحر» مقايضة ما يعتبره فقدان الميثاقية في النظام ورئاساته الذي سيشكله شغور كرسي الرئاسة الأولى بـ «حصةٍ رئاسية» مُقرِّرة في حكومة الفراغ وبأسماء من «الاحتياط» السياسي - الحزبي، فإن ثمة مَن رأى في موقف عون الذي عاود تصويب البوصلة في اتجاه الاستحقاق الرئاسي منحى لإحالة الجميع في هذا الملف على رئيس التيار جبران باسيل والإطار الذي وضعه لبلوغ توافقٍ شبه مستحيل في الأيام الـ 22 المقبلة، ما يجعل المرحلةَ الآتية و«ألاعيب حافة الهاوية» محفوفةً بوضع البلاد في فم مجهولٍ مفتوحٍ على فوضى... شاملة.ولعلّ هذا ما حفّز على تحركٍ أطلقته الجامعة العربية في اتجاه بيروت بإيفاد حسام زكي بتكليفٍ من الأمين العام أحمد أبوالغيط حيث أجرى لقاءات مع كبار المسؤولين واضعاً زيارته في سياق «استشعار الجامعة العربية للتداعيات الخطيرة التي ستترتب على دخول البلاد في فراغ رئاسي في حالة عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية في 31 الشهر الجاري».

وفي ملخص عن محادثات زكي أورده بيان صدر عن بعثة الجامعة في بيروت، أن الجولة «هدفها استشراف آراء القيادات السياسية حول الاستحقاق الرئاسي، والنظر في سبل معالجة الانسداد السياسي الذي تعانيه البلاد».

وصرح زكي عقب الزيارة أنه «استشعر تبايناً كبيراً في وجهات النظر بين الزعماء السياسيين، فضلاً عن ضعف قنوات التواصل في ما بينهم، الأمر الذي قد يدخل البلاد في وضع شديد الصعوبة، خصوصاً في ضوء حالة الانشغال الدولي بالأزمة الأوكرانية»، معتبراً «أن لبنان لا يتحمل حالة(الاعتياد على الأزمة) أو القبول بالفراغ الرئاسي في ضوء الأزمة الاقتصادية الشديدة التي يمر بها، وهو ناشد خلال اللقاءات التي أجراها كافة القيادات السياسة تقديم المصلحة الوطنية والجلوس معاً وفتح قنوات التشاور من أجل التوافق على هذا الاستحقاق الدستوري المهم، لأن ترف الوقت غير متوافر، والتعويل على الحلول الخارجية وحدها لن يساهم في حل الأزمة في ضوء التوتر الشديد على الساحة الدولية وتفاقم حدة الأزمات العالمية».

وإذ جدد زكي استعداد الجامعة العربية للقيام بأي دور يطلب منها لمساعدة لبنان في تجاوز الأزمة السياسية، أشار البيان إلى أنه التقى إلى عون وبري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وباسيل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل، إضافة إلى عدد من النواب والمستقلين.

وفيما كان السفير السعودي في بيروت وليد بخاري يطلّ خلال جولة قام بها أمس، في طرابلس حيث التقى عدداً من فاعلياتها النيابية والسياسية والدينية على الواقع اللبناني، مؤكداً «حرص المملكة على أمن لبنان واستقراره»، وداعياً إلى «تغليب المصلحة العليا على المصالح المرحلية»، ومعلناً «في هذه المرحلة لبنان مقبل على استحقاق رئاسي ونؤكد أهمية احترام المهل الدستورية، وحرصنا على استقرار لبنان يحتم علينا أن نحمل هذه المسؤولية المشتركة باتجاه لبنان»، يُنتظر أن تشهد بيروت الأسبوع الطالع زيارة مهمة لوزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا.

... الترسيم وأفخاخه

وفي حين أشارت تقارير إلى أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية ستشكل أولوية في مباحثات رئيسة الديبلوماسية الفرنسية التي يُرتقب وصولها بحلول 14 الجاري وسط حِراكٍ مكثف لباريس في بيروت ومع عواصم عدة بهدف توفير هبوط آمن للاستحقاق الرئاسي، فإن ملف الترسيم البحري لن يغيب عن محادثات كولونا ولا سيما أن فرنسا تضطلع بدور في «ضمان» الاتفاق الذي عمل عليه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين عبر شركة «توتال» المكلفة التنقيب في حقل قانا بشطريْه شمال الخط 23 وجنوبه.

وقد أصدرت الخارجية الفرنسية أمس بياناً أكدت فيه أن باريس «تساهم بنشاط في الوساطة الأميركية الهادفة للتوصل إلى اتفاق في شأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل»، مشددة على «أن الاتفاق سيعود بالنفع على البلدين وشعبيهما، كما من شأنه أن يساهم في استقرار وازدهار المنطقة»، وذلك في الوقت الذي كانت بيروت في انتظار أن تتسلّم من هوكشتاين رسالةً تتضمن الملاحظات الإسرائيلية على مسودة الاتفاق وردّ تل أبيب على الملاحظات اللبنانية.

وبدا من الصعب في بيروت التكهن بمآل هذا الملف، وهل التصعيد الكلامي من لابيد ووزير دفاعه و«الكلام الحربي» الذي صدر سيكون كافياً ليستعيد زمام المبادرة من بنيامين نتنياهو في الانتخابات التشريعية، بمعنى أن يعود اتفاق الترسيم إلى سكة الإنجاز قبل 1 نوفمبر الإسرائيلي كما ينصح العديد من القادة الأمنيين والعسكريين في تل أبيب، أم أن ما كُتب قد كُتب على صعيد أن لا مجال للمخاطرة بخسارة الانتخابات والاتفاق معاً وتالياً تعليق الترسيم لِما بعد هذا الاستحقاق مع ما قد يشكله ذلك من مغامرة إذا فاز نتنياهو فيكون طار لابيد والاتفاق.

وبمعزل عن الحسابات الإسرائيلية في ما خص الملاحظات اللبنانية، فإن ثمة انطباعاً بأن الوسيط الأميركي سيكون أمام مهمة شائكة لإنقاذ الاتفاق والإبقاء على الجدول الزمني المقرَّر لإتمامه وذلك عبر إيجاد آلياتٍ أو مخارج كلامية ترضي بيروت ولا تضرّ بتل أبيب ولابيد، من دون أن يُعرف كيف يمكن الالتفاف على النقطتين الجوهريتين في الرفض اللبناني، أولاً لأي اعترافٍ بخط الطفافات كحدود بحرية لِما يرتبّه من تداعيات على الحدود البرية في نقاط متنازع عليها، كما لأي تنازُل عن الحق بالعمل في حقل قانا من دون انتظار إذن مسبق تمنحه اسرائيل لشركة «توتال» أو غيرها كما ورد في المسودّة، وسط انطباعٍ بأن مثل هذه الإشارة ستعني أن اسرائيل مازالت تملك السيادة على الجزء الجنوبي من حقل قانا (جنوب الخط 23) وأن للبنان حق الانتفاع منه.

وكان لافتاً في انتظار تبلور اتجاهات ملف الترسيم، تريُّث «حزب الله» في اتخاذ موقف حاسم ما خلا إعلان عضو شورى الحزب الشيخ محمد يزبك أنه «لن يكون هناك استخراج من كاريش قبل تحقيق مطالب لبنان».

وإذ فُسر كلام يزبك على أن زر التفجير بالنسبة إلى «حزب الله» سيكون بدء الاستخراج من كاريش وليس إرجاء الاتفاق أو تعليقه، فإن ثمة انطباعاً بأن تسليم لبنان، ومن خلفه الحزب في مرحلة المفاوضات التي أفضت إلى مسودة الاتفاق، بـ«إسرائيلية» حقل كاريش من شأنه إضعاف أي حجة لاستهدافه إنفاذاً لتهديداتٍ سابقة. علماً أن إعلان تل أبيب الاستعداد لإجراء فحوص في حقل كاريش خلال الأيام القريبة «ولتشغيلٍ تجريبي لتدفق الغاز من جهة الساحل (شمالاً) باتجاه المنصّة المتنقلة على بعد مئة كيلومتر» لن يكون الشرارة لأي تصعيد من الحزب ما دام السحب ودفق الغاز لم يبدأ من الحقل إلى الشاطئ.

المصدر : الراي الكويتية

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...