السعودية لإعادة التوازن فماذا عن “الحزب”؟

 

كلما اقترب لبنان من نهاية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ازداد الاهتمام الخارجي بأزمته نتيجة الخشية من الشغور الرئاسي، ومن مضاعفاته السياسية والمخاوف من انزلاق أمني قد يتسبب به التجاذب السياسي الحاد بين الفرقاء.

وعلى رغم اعتقاد أوساط سياسية لبنانية تحتك بالدوائر الغربية أن الوقوع في الفراغ الدستوري قد يجذب الدول المعنية إلى محاولة الضغط من أجل إنهائه وتقصير مدته قدر الإمكان، لكن هذه الدول قد تفقد هذا الاهتمام وتصاب بمرض «التعب من لبنان» Lebanon fatigue، فإن مصادر دبلوماسية عربية تؤكد أن هناك تنسيقاً أميركياً فرنسياً سعودياً متواصلاً منذ صدور البيان عن الدول الثلاث في نيويورك أواخر أيلول الماضي، يبقي البلد تحت المراقبة ويدفع نحو انتخاب الرئيس من جهة، ونحو استعادة الدور العربي وإعادة التوازن الإقليمي إلى الساحة اللبنانية من جهة ثانية. تصنف المصادر الدبلوماسية إياها، تحرك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الأخير في هذا السياق، لا سيما بعد زيارتيه أول من أمس لكل من رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري، للحث على انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري، وعلى التمسك باتفاق الطائف، لأنه يحفظ العيش المشترك والاستقرار كما تعتبره مؤشراً ينفي الكلام عن أن المملكة العربية السعودية انسحبت من لبنان. بل إن هذه المصادر المطلعة على الحراك السعودي، تتحدث عن تحضير لبنان للانتقال إلى مرحلة جديدة من الحلول مبنية على انطلاقة عهد رئاسي جديد، برئاسة حكومة، وحكومة عهد، جديدتين أيضاً، في إطار رزمة من الخطوات السياسية الدستورية التي ستقابلها الرياض بتفعيل الاتفاقات الـ22 التي تكرر الدبلوماسية السعودية في بيروت الحديث عن أهميتها في ضخ استثمارات داخل لبنان. فكل ما يهم قيادتها أن يأتي رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة، يحولان دون استخدام لبنان منصة للتآمر على دول الخليج والمملكة، ولا يكون منغمساً في الفساد السياسي والمالي، لأن موقفها لن يكون إيجابياً منه في هذه الحال.

ومن يسعون إلى استكشاف موقفها من الأسماء المطروحة يلقون رفضاً لإقحامها بها. وتفيد المعلومات أن الرياض على اتفاق مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في شأن هذه المواصفات، بعد خيبة الأمل التي عانت منها خلال العهد الحالي. وتذكّر المصادر إياها بالمحادثات التي جرت إبان الزيارة اليتيمة التي قام بها الرئيس عون إلى السعودية بعيد انتخابه، حيث أبلغ وزير الخارجية آنذاك عادل الجبير نظيره اللبناني جبران باسيل أن لا مشكلة لدى المملكة مع لبنان طالما اختار انتخاب الرئيس عون للرئاسة، وكل ما يهمها ألا يكون لبنان مسرحاً ومنطلقاً للعداء للسعودية، فأبدى باسيل ارتياحه إلى كلام الجبير وأبلغه بأن لبنان سيلتزم بسياسة النأي بالنفس ولن يقبل بسياسات عدائية للمملكة. كل ما حصل يخالف ذلك.

هل إنقاذ لبنان من الفراغ الرئاسي والحكومي ممكن في ظل المعادلة الراهنة التي تتحكم بموازين القوى سواء في البرلمان حيث الأكثرية السيادية مشتتة، أو على المسرح السياسي حيث يلعب سلاح «حزب الله» وفائض القوة دوراً في التوجهات السياسية وفي النفوذ على الرئاسة وداخل الحكومة؟

تعتبر المصادر الدبلوماسية نفسها أن هناك صعوبات تواجه إنهاء الفراغ الحكومي، مع أن بعض القيادات يدرك حراجة الوضع الراهن ويسعى لتطويق أي انفلات ويتحرك من أجل التوافق على الحكومة، وإذا تعذر على رئيس لتقصير مدة الفراغ. كما أن هذه المصادر تشير إلى تطورات في موقف «حزب الله» حيال الرئاسة، من خلال المعطيات عن المراجعة الداخلية التي قامت بها قيادته للمرحلة السابقة وفق هذه المصادر تفيد المعطيات التي تكونت لديها أن تقييم الحزب للسنوات الست السابقة من عهد الرئيس عون انتهى إلى الإقرار بغلبة السلبيات على الإيجابيات، وأنه لا بد من مجيء رئيس لا يكون امتداداً للعهد المنقضي.

كما أنّ هذا التقييم يعتبر أن شعبية الحزب تعرّضت للضرر جراء التحالف مع العهد الرئاسي وبعد انفجار الأزمة المالية الاقتصادية في 17 تشرين 2019 ولا بد من التفتيش عن معادلة توافقية على الرئيس الجديد لتجنب المزيد من التآكل في القاعدة الشعبية الموالية للحزب، والذي ظهر في إحجام نسبة عالية من بيئته الحاضنة عن الاقتراع خلال الانتخابات النيابية الأخيرة في أيار الماضي.

لا تجزم المصادر إياها بأن الحزب صار جاهزاً لتسوية أو للتوافق على رئيس للجمهورية، أو أنه مستعد لتقديم تنازلات، وتكتفي بمراقبة بعض المؤشرات ورصد نوايا الحزب. بل هي تعتبر أن التسهيل الذي قدمه في شأن إنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل له علاقة بالمفاوضات الإيرانية الأميركية على النووي الإيراني، أكثر مما هو مؤشر إلى تسهيل الحلول على الصعيد اللبناني الداخلي.

فهناك من يعتقد في المقابل أنّ «حزب الله» سيتشدد أكثر في المرحلة المقبلة، في شأن هوية رئيس الجمهورية المقبل، وفي الإبقاء على حليفه الرئيسي في الساحة المسيحية، ثنائي الرئيس عون وصهره النائب جبران باسيل قوياً في مواجهة خصومه المسيحيين وفي مقدمهم حزب «القوات اللبنانية».

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...