ما المدة الزمنية المتوقعة ليصير لبنان دولة نفطية؟


 كتبت سلوى بعلبكي في النهار:

لنفترض ان العرقلة الاسرائيلية سقطت وأتيح انجاز ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، فماذا سيربح لبنان؟ الأمل، ربما، في أن تكون الخطوة التالية تنقيباً ثم استخراجاً، تحمل خسائر أقل في تحديد الأرباح، حيث إنه من المتوقع أن تنخفض حصة لبنان لمصلحة شركة “توتال” بسبب التعهد المستتر والمخبّأ في جوف الاتفاق، بأن تتولى الأخيرة “محاسبة” إسرائيل بدلا من لبنان، لرفض اللبنانيين أي شكل من أشكال التطبيع أو الإعتراف بالكيان الإسرائيلي.

وإذا ما سلمنا جدلا بأن رعاة الاتفاق ذللوا عراقيله، وباتت للبنان منصة للنفط والغاز، فإن سيل الأسئلة المنهمرة يتركز حول المدة المتوقعة التي يحتاج اليها لبنان لتحديد مخزونه، واستخراجه، ولاحقا بيعه. فالبعض يضع سبع سنوات كمدة واقعية، والبعض الآخر عشر سنين، لكن جهات ذات صلة بـ”الكار” تستغرب هذه التوقعات، وتؤكد أن ثلاث سنوات وربما أقل تكفي في المرحلة الأولى لإنجاز الحفر واستخراج كميات محدودة لزوم الإستهلاك المحلي، مما يزيل عن كاهل البلد أكبر فاتورة بالعملة الصعبة يدفعها لاستيراد المشتقات النفطية، وفيول الكهرباء، تلي ذلك مرحلة الإنتاج التجاري لزوم التصدير، لكن كلاهما (الإنتاج والتصدير) مرتبط تحقيق نجاحهما كليا بوجود إدارة سياسية ذات صدقية وحازمة في إدارة الملف، بعيدا من الفساد والشعبويات السياسية والمصالح الضيقة، وإلا يكون مصير الثروة المنتظرة، وفق مرجع سياسي مطلع، “هندسات مالية جديدة لدى مصرف لبنان، أو هندسات خاصة، في غياب الصندوق السيادي، وغياب الشركة الوطنية”، مما سيودي بالقطاع المعوّل عليه لإنقاذ البلد من الإنهيار والسقوط الكلي، الى مصير يشبه ما آلت إليه الإدارة العامة، ومؤسسات الدولة من ترهل وفساد مستشر وفشل.

فما هي الفترة المتوقعة ليصبح لبنان دولة نفطية؟ وماذا عن المراحل التي يتطلبها وصول لبنان الى مرحلة الانتاج؟

قبل أن يبدأ الخبير الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي ابي عاد بالحديث عن المراحل التي تتطلبها عملية الحفر وصولا الى الانتاج، يوضح أن “حقل قانا هو في الواقع حقل صوَري، كونه حقلا غير مستكشف حتى الآن. صحيح أن المسح الزلزالي بيّن وجود الحقل، ولكن ليس واضحا ماذا يحوي فعلا، وهل هو اكتشاف تجاري أم لا… فهذه الامور تتحدد عند الحفر”.

ويلفت ابي عاد الى أنه “في حال قررت الشركات البدء بالعمل فإنها بحاجة على الاقل الى 6 أشهر للتحضيرات (تركيب معدات واستئجار بواخر تحتاج هي الاخرى الى حجز قبل فترة). وعندما تصبح الباخرة جاهزة في المكان الذي سبق تحديده للحفر، فإن العملية تتطلب ما بين 6 أشهر و9 أشهر حتى تنتهي من الحفر، وهذا الامر يتوقف ايضا على عمق المنطقة وسهولة الاستخراج منها. وبعدها تحتاج الشركة الى 3 أشهر لفحص ما توصلت اليه وتحليل مدقق لكل ما استخرجته”.

ويضيف: “أما في حال تبين أن هناك اكتشافات، فيجب تحليل حجم الغاز أو النفط في الحقل الذي اكتشفناه وعلى ماذا يحتوي غاز، أم نفط، ام الاثنين معا، وما هو عمق الحقل وكلفة انتاج محتواه وكمية الاحتياط الموجود فيه والكمية التي يمكن ان نستخرجها من الحقل، علما أن الكمية التي يمكن استخراجها في احسن الحالات هي ما بين 30 او 40%. يضاف الى ذلك عوامل أخرى تتعلق بحجم الضغط الموجود في البئر بما يساعدنا على استخراج الغاز بأقل ضغط اصطناعي على نحو يمكن أن يخفف من كلفة الاستخراج. أما اذا تبين ان الاكتشاف تجاري، إذذاك يتم الاتفاق مع الدولة اللبنانية على موضوع التسويق بحسب الكميات المكتشفة”. وهذه العملية بالغة الاهمية برأي ابي عاد لأنه “اذا لم نستطع تسويق انتاجنا تكون اكتشافاتنا قد ضاعت هدرا”. و”في حال كانت الكميات كبيرة ويمكن تصديرها، يجب وضع استراتيجية للتصدير، وتاليا إجراء اتفاقات التسويق مع المستهلكين المحتملين، وهذا يتطلب الكثير من الوقت. ولكن قبل التوقيع مع الشركات او الدول يجب أن نجري تصورا لكيفية الشحن من لبنان الى السوق. فقبرص مثلا اكتشفت الكثير من الحقول، بيد أنها لم تستطع تصديرها لوجود الكثير من المعوقات الجيولوجية والتقنية”.

بالخلاصة يقول ابي عاد إن “الفترة ما بين الانتهاء من عملية الترسيم وتحضير الشركات نفسها والحفر والتحاليل والاستكشافات تتطلب ما بين ثلاث الى اربع سنوات”، ولكن الاهمية برأيه، “ليست بالاستكشاف بل بعملية التسويق وهي المرحلة الاهم”. ويشير الى ان “الاوروبيين كانوا قد خططوا بانه بدءا من سنة 2030 ستخف احتياجاتهم للغاز في ظل اتجاههم الى استخدام الطاقات المتجددة، ولكن هذا الامر مستبعد، وتاليا لن يكون في امكانهم الوصول الى هذه المرحلة في ظل شح الغاز حاليا”. أما لبنان، فإنه في حال سارت الامور بشكل سلس فإنه يمكنه الافادة من السوق الاوروبية لفترة ما بين 5 و10 سنوات، علما أنه “ليس لدى لبنان حظوظ في الاسواق الآسيوية، اللهم الا اذا كان لدينا حقول ضخمة يمكن أن نطورها ونشحن الغاز المسال اليها، مع الاخذ في الاعتبار ان روسيا وضعت كل ثقلها لتزويد الاسواق الاسيوية من انتاجها”.

بالنسبة الى خبير اقتصادات النفط والغاز فادي جواد، فإن عملية الحفر في أي بئر تستغرق ما بين 3 أشهر الى 6 أشهر حدا اقصى للحصول على نتائج، مستندا الى تجربة قبرص في بئر “كرونوس 1” الذي استغرق حفره ما يقارب الـ 4 أشهر عبر سفينة الحفر نفسها “Tungsten Explorer” التي قامت بحفر بئر “بيبلوس” في البلوك الرقم 4 اللبناني. وقدرت شركة “ايني” الايطالية الكمية بنحو 2.5 تريليوني قدم مكعب من الغاز، بما يعطي مؤشرات ايجابية عن الكميات المتوقعة في البلوكات اللبنانية، علما أن البلوك الرقم 4 تم حفره وجرى تركيب رأس البئر (BOP) لحين استكمال اجراءات الحفر المقررة بعد اتفاق الترسيم.

بعد الحصول على النتائج التي تم تأخيرها سنتين تبدأ اجراءات حفر الابار الاستكشافية لتكوين حقل كامل، وهذه المرحلة تستغرق وفق جواد ما بين 4 و9 أشهر، وتوازيا يتم العمل على تطوير البئر الاولى عبر اختبارات عدة، اضافة الى مراحل “تكسير” لتهيئته للتوصيل الى منصة عائمة دائمة او موقتة. اما في الحالة اللبنانية ومع عدم وجود صناعة نفطية سابقا فسيكون الطريق الانسب لتسريع الانتاج والتصدير هو استئجار منصة عائمة مثل “Energean Power FPSO” التي ستكون قادرة على السحب والتخزين ومعالجة الغاز من الشوائب وتكريره للوصول الى الانتاج، والتي لن تستغرق بجميع مراحلها 3 سنوات حدا اقصى.

وفور بدء الانتاج، يشير جواد الى “أننا سنكون بحاجة لنقله الى دمياط (مصر) حيث محطات التغويز ليكون جاهزا للتصدير عبر الناقلات الى اوروبا”.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...