إشاراتٌ رئاسيّة من حزب الله.. هل قائد الجيش معنيّ بها؟


 حتى الآن، لم ينفِ “حزب الله” أيّ موافقةٍ له بشأن “تسويةٍ رئاسيّة” مُرتقبة في وقتٍ تُرجح مختلف الأطراف أن تذهب الأمور بهذا المنحى في أيّ لحظة ستُفرض داخلياً ودولياً. إلا أنه في المقابل، فقد شكّل إعلان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله تأييد الاتفاق على رئيسٍ، دلالةً على تبدّل في المواقف وتقديماً لبعض التنازلات على السّاحة الداخليّة. هُنا، يكمُن البحث عن حيثيات أي تسوية قد يقبلُ بها “حزب الله” وعن السّياق الذي قد تسيرُ عليه خلال المرحلة المقبلة.

جُملة “مُحيّرة”

خلال خطابهِ الأخير من بعلبك، يوم السبت الماضي، قال نصرالله صراحة: “نؤيد وجود لقاءات للحوار حول رئيسٍ جديد بعيداً عن التحدي وعن الفيتوات التي تُطلق مسبقاً، وفي نهاية المطاف يجب العمل على الإتيان برئيسٍ يتمتع بأكبر قاعدة ممكنة سياسية ونيابية وشعبية للقيام بدوره القانونيّ والدستوري”.

وبمعزلٍ عن الكلام “الإيجابي” الذي قاله نصرالله، يجدرُ الوقوف بتمعّن عند عبارة “رئيسٍ يتمتع بأكبر قاعدة ممكنة سياسية ونيابية وشعبية”. هنا، الجملة هذه “مُحيّرة” تماماً وتفتحُ الباب أمام تساؤلاتٍ عن المقصود بها، إذ أنّ الدلالات التي ترتبطُ بها كثيرة وتشملُ شخصياتٍ تعتبر مُرشّحة بشكل فعلي للوصول إلى بعبدا.

عملياً، فإنّ ما يقوله نصرالله يتقاطع تماماً مع خطابِ حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يُشدّد في أي خطابٍ له عن الانتخابات الرئاسيّة على أهمية أن يكون الرئيسُ قوياً “شعبياً ونيابياً”. ففي حالِ تم تحديد هذا المعيار كأساسٍ لاختيار رئيس يتمتعُ بحيثية شعبية ونيابية، فإنّ الشخصيتين اللتين تحققان المعيار المُشار إليه هما باسيل وخصمه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وطبعاً، فإن الأخير لا يمرّ عند الحزبِ، في حين أن باسيل لم يأخذ أي وعدٍ أو كلمة من “حزب الله” بشأن الرئاسة، وهذا الأمرَ ما زال مدارِ مباحثات تجري في الكواليس الحزبية، إذ تقول معلومات “لبنان24” إن “الحوار بين باسيل وحزب الله ازدادَ في الآونة الأخيرة، وكان هناك دفعٌ أكبر نحو الوصول إلى تسوياتٍ سياسية تُؤدي إلى حلولٍ في أكثر من اتجاه”.

بالنسبة لـ”حزب الله”، فإنّ السير بباسيل ليس أمراً سهلاً، وبالتالي فإن تلك الخطوة – إن حصلت – تعتبرُ مغامرة سياسيّة جديدة سواء مع الحلفاء أم غيرهم. ولهذا، فإنّ تضحية الحزب هذه المرة بتأييد باسيل “رئاسياً” قد ترتدّ عليه سلباً في بيئته الشعبية ومع الحلفاء المقربين منه بشكل كبير. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، كان واضحاً حراكُ الحزب مع الأطراف الصديقة له، وقد تبيّن أن الحوارات التي تُجرى مع الأطياف السياسية الأساسية هدفها الوقوف عند آرائهم بشأن الاستحقاق الرئاسي، ومن المتوقع أن تظهر إلى العلن لقاءاتٌ جديدة سيعقدها نصرالله مع شخصيات سياسيّة مثلما حصل مؤخراً مع رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان.

واستناداً إلى كل ذلك، يبدو جلياً أن “حزب الله” يتحرّك وفق القاعدة التالية: عدم الكشف أو إعطاء أي وعدٍ لأحد – الوقوف عند الآراء ودراسة الملف الرئاسي مع الحلفاء – الانخراط ضمن تفاهمٍ وطني عريض ونزع صفة التعطيل عن نفسه مثلما حصل قبل 8 سنوات عند الشغور الرئاسي عام 2014.

قبولٌ بعون؟

في مقابل كل ذلك، يُمكن لكلام نصرالله عن طرفٍ سياسيّ يحظى بإجماعٍ نيابي وشعبي أن ينطبق على شخصيات أخرى بعيدة عن باسيل وجعجع، مثل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون.

بالنسبة للأول، فإنّه حتى الآن لم يأخذ أي وعدٍ من الحزب، وقد لا يلقى قبولاً نيابياً عاماً داخل البرلمان باعتبار أن الجبهات المناوئة لمحور “الممانعة” أكدت مراراً رفضها لاسم فرنجية، وهذا ما يرتبط بـ”الفيتوات” التي تحدث عنها نصرالله.

أما في ما خصّ قائد الجيش، فإن اللافت هو أن نصرالله لم يضع حتى الآن أي “فيتو” على اسمه، كما أنه لم يتطرق إلى ذكره أو التدليل عليه. إلا أنه من خلال الكلام وعبر الصورة القائمة، يُمكن لـ”حزب الله” ألّا يجنح بعيداً عن عون طالما أن بإمكان الأخير أن يحظى باستقطابٍ نيابي يُطالب به “حزب الله”، علماً أن قائد الجيش يتمتع بقبول شعبي عام نظراً لأدائه في سدّة القيادة خلال ظل المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البلاد. أمّا الأمر الأهم فيرتبط بأن عون مقبولٌ دولياً، وقد يكونُ صلة وصلٍ جديدة بين لبنان والدول الخارجيّة، والعلامات على ذلك كثيرة.

بشكل أو بآخر، يمكُن أن يكون في تجنّب “حزب الله” طرح أي “فيتو” على قائد الجيش بمثابة تمهيدٍ نحو تسوية تؤدي بالأخير إلى سُدّة الرئاسة. هنا، قد يقبل الحزب لاعتبارات عديدة أولها أن الأخير قد يكون محطّ إجماعٍ عام، وبالتالي فإن الحزب لن ينأى بنفسه عن هذا الإجماع، كما أنه لن يطعن بحلفائه الذين يتحفظون على شخصيات قد تكون “استفزازية”. هنا، فإن قبول الحزب بعون من بوابة “التوافق الوطني”، لا يعني تنازلاً أو قبولاً بشخصية طرحها الطرف الآخر. ولهذا، فإنّ النقطة الأساس والإيجابية باتجاه الجيش وقيادته كانت مؤخراً من خلال نصرالله شخصياً، إذ أكد على دور القيادة ومسؤوليتها، ما يعني وجود إشاراتٍ بهذا الإتجاه، والأيام القريبة كفيلة بكشفِ كلّ شيء.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...