هل تذكرون الشفافية؟

 

سنخبركم قصة غريبة عجيبة عن بلد تمّ نهبه وإفلاسه بسبب ممارسات فاسدة. عن بلد غني يملك مقومات كبيرة تمكّنه من تحقيق بحبوحة اقتصادية، ولكنه حتى اليوم لم يتمكن من الاستفادة من مقوماته بسبب سياسات ملتوية جعلت القرارات بيد فئة ضيّقة من المسؤولين، فيما الناس غائبة وغير مدركة للقرارات لأنّ الشفافية مفقودة.

وبالرغم من وصول البلد إلى التعتير، والكوارث المتلاحقة، وجريمة تفجير هزّت العالم، وسرقة ودائع وجنى عمر الناس، ما زال هناك تجاهل غير مسبوق لمطلب الشفافية في لبنان، والتي نعتبرها علاجاً أساسياً لمعظم المشاكل والحرص على عدم تكرار الأزمات.


وجاءت الثورة وأوصلت ممثلين إلى المجلس النيابي، ولكن مطلب الشفافية ما زال غائباً، وما زال قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة الذي تمّ التقدّم به إلى المجلس النيابي يتيماً، لم يطالب به احد او يتبنّاه احد ويجعله معركته الأساسية.ولم يتقدّم احد بقانون آخر للشفافية مطوّر او معدّل، إذا كان القانون الحالي لا يرضي كافة التطلعات. بالإجمال، لا تتمّ مناقشة أي طرح لتعزيز الشفافية في أداء الدولة.

 

بل اكتفينا بإقرار ما يُعرف بقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، معتقدين انّ هذا القانون يوصلنا إلى الشفافية، وهذا خطأ لأنّ القانون ومراسيمه التنفيذية سيء، فهو يعطي وهم الشفافية، ولكنه في الحقيقة قانون ضدّ الشفافية.

 

ولماذا نصرّ على مطلب الشفافية؟

 

- لن نتمكن من استعادة الثقة من دون شفافية مطلقة. حين تتحقق الشفافية المطلقة ستصبح كل اعمال الحكومة على الانترنت، وسيعرف المواطن، المستثمر، المغترب، الخ… كل التفاصيل.

 

- سيصبح في إمكان المواطن ان يتابع القرش الضريبي كيف يُحصَّل ومن أين، وكيف يُصرف وعلى ماذا. وهذا سيعرقل بمقدار كبير عمليات النهب والهدر.- لو وُجدت الشفافية لكانت تقارير المصرف المركزي حكماً منشورة بحسب الاصول، ولتمكن كثيرون ممن يملكون الخبرات من التقصّي، ولم يكن الحاكم ليتفرّد بقرارات أوصلت البلاد إلى التعتير.

 

- الشفافية تعيد الثقة بين أركان الحكومة نفسها. فالاتهامات المتبادلة اليوم حول العقود والصفقات والقرارات، تجعلنا نتأكّد انّ الشفافية هي علاج اساسي لخلق ثقة بين مكونات المجتمع نفسه.- الشفافية ستضبط المناقصات المتفلتة من أية رقابة وتمنع تفصيل مناقصات على قياس اشخاص، وتخلق العدالة للجميع في حق المشاركة فيها. فلا تبقى رهينة السلطة وشركائهم، بل يصبح باستطاعة أي لبناني مقيم او مغترب في اقاصي الارض ان يكون شريكاً فيها.

 

- الشفافية تربط المغترب ببلاده، وتجعله شريكاً في معرفة القرارات والخطط والمشاريع، وهذا حق وواجب. لقد اثبت المغترب في الأزمة الاخيرة انّه خشبة الخلاص. فلولا تحويلات المغتربين خلال الأزمة لكانت تشرّدت عائلات وجاعت أخرى، وكانت الأزمة اسوأ بأضعاف مما هي عليه. فحقهم علينا ان نشركهم بسياساتنا، وقراراتنا. وهذا لن يتحقق من دون الشفافية.- الشفافية ستمنع مصائب عن البلد بسبب قرارات فاسدة لا يعرفها الشعب، فنعيد التذكير بجريمة المرفأ، التي ادّت قرارات فردية خاطئة إلى اكبر كارثة، لو امتلكنا الشفافية لأدرك الشعب خطورة الوضع.

 

- الشفافية تعيد ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية وتسهّل عملية الاستثمار الاجنبي في لبنان. فعلى الهامش، استخدم بعض المراقبين الافتقار إلى الشفافية حجة لإعادة توجيه المساعدات الخارجية بين البلدان، وحجب المساعدات عن الدول التي لا تعتمد الشفافية ويكتنف عملها الغموض.

 

- الشفافية تسمح بمراقبة ومعرفة النواب المسؤولين عن إقرار قوانين حقيرة في لبنان.

 

- لو وجدت الشفافية لم يكن ليمرّ قانون يعفي من تقاضى رسوماً بالدولار وسدّد للدولة بالليرة اللبنانية.

 

هذه قصة بلد غريب أنهكه الفساد وشرّد ابناءه، ولكنه يصرّ على التعامي عن الشفافية، والاسوأ اننا لم نسمع حتى اليوم منذ بدء مطالبتنا، الأسباب والاعتراضات التي تمنع إقرار قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...