المصارف إلى الأمن الذاتي


 عاد الوضعُ الأمني ليحتلّ صدارة المشهد من جديد. قبل أسابيع أبدى مصرفيون كبار، خشيتهم من تكرار حوادث اقتحام فروع مصارفهم لتصبح شبه يومية، وتترك أثراً طبيعياً في النفوس.

الخشيةُ الأكبر كانت حيال فقدانهم الشعور بالأمن، نتيجة تردّي القدرة الأمنية الرسمية وتراجعها، ولشعورهم بأنهم أضحوا يقفون وجهاً لوجه في مواجهة رجال الأمن تحديداً، من أصحاب الحقوق المسلوبة في المصارف. هذا الوضع يندرجَ في خانة المحظورات، وقد وُعد المصرفيون إياهم بإيلاء وضعهم أعلى درجة ممكنة من الحيطة.غير أن مرور الأيام أثبت اقتصار الكلام الأمني الرسمي على الوعود، في ظلّ عدم رغبة أو على الأقلّ، الإستعداد لمواجهة سيناريوهات أمنية في الشارع، تكاد تقع بين المودعين المطالبين بحقوقهم، والمصرفيين المتّهمين بأنهم الوجه البديل لأصحاب المصارف أو "حماة مؤسساتهم". وثبت أن الأجهزة الأمنية تتعامل موسمياً مع المصارف، وتتعاطى وفق درجة دونية مع المخاطر التي تتهدّدها، وذلك لعدة عوامل قد يتّصل جانبٌ منها بعدم القدرة على تحمّل المزيد من الأعباء.

بقيَ الأمرُ يدور في نفس الدائرة لغاية بلوغ الصاعق مرحلة الإنفجار قبل أيام، فتداعت الأجهزة كافةً للإجتماع في وزارة الداخلية برئاسة الوزير بسام المولوي، ودراسة ما يحصل والسيناريوهات الممكن حصولها، وقد جرى "تأهيب" القضاء لأخذ دوره.

كلّ ما تقدّم، لم يكن ليحصل لولا تهويل أصحاب المصارف وتهديدهم بالإغلاق، وبعد الملاحظات السياسية التي أُبلغت إلى المستويات الأمنية كافةً، من ان إغلاق المصارف قد يرتّب المزيد من الأعباء على صعيد سعر صرف العملة الصعبة.

بعيداً عن لغة المؤامرة حيال وجود "أجندة" يجري ترتيبها داخلياً باستغلال مطالب المودعين، وبعيداً عن الأقاويل التي تتردد حيال انتهاز أصحاب المصارف فرصة الإغلاق لفرض ضغوطاتٍ إضافية على الدولة، من الواضح أن التردّي ظهر بصورة موجعة، ولا تتوفّر حالياً أية ضمانات أمنية، من أجل انتظام العمل المصرفي كما في السابق، وذلك حين يُعاد افتتاح الفروع عند انتهاء الإضراب يوم الخميس المقبل، ما يُحيلنا إلى تدشين موسمٍ جديد من "الأمن الذاتي" بشقّه المصرفي، مع ما يتسرّب من اجتماعات أصحاب البنوك المفتوحة، حيال درسهم لخطواتٍ ذات أبعادٍ أمنية لضمان سلامتهم وسلامة الموظفين لديهم وزبائنهم.

ثمة عدة سيناريوهات طُرحت في السابق ويُعاد طرحها الآن، من بينها إجراء "تدشيم وتدعيم" على مداخل المصارف، بحيث تتحوّل إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، يقف خارجها "عناصر أمن" يتبعون شركات توفير خدمات أمنية خاصة، ويتولّون إدخال الزبائن بعد حجز موعدٍ مسبق، وبعد التدقيق في هوياتهم, خطوةٌ تنتزع الكثير من هيبة الدولة وأجهزتها، وتسلبهم حقاً حصرياً لا نقاش فيه.

ثمة اقتراحٌ أسوأ، تولّى تقديمه عددٌ من أصحاب المصارف، قام على طرح فكرة توفير حماية ذات وجهٍ عسكري، بحيث يتمّ إبرام عقود حماية مع شركات أمن، تتولّى عادةً تنفيذ مهام حماية بقوة السلاح. لكن الإقتراح لم يكن محلّ توافق، إذ قد يؤدي أي حادث إلى اشتباك يكاد يتحوّل إلى مجزرة ربطاً بالكثافة التي تشهدها المصارف، كما أنه قد لا ينال موافقة أمنية، حيث تشترط الأجهزة، اقتصار وسائل الحماية على الأمور التقنية الصغيرة وترك الدرجة العليا من الحماية إليها، ممّا يجعل من المصارف أهدافاً متحركة و"يشوّه صورتها"، بينما لا يزال أصحابها يعملون على تلميع صورتهم.

يبقى أن الإجراءات الإحترازية التي قال المصرفيون إنهم سيباشرون العمل بها، تقتصر على شقٍّ ردعي أمني دون وجهٍ عسكري، ويقتصر على الإعتماد على ترتيباتٍ معيّنة، كالحجز المسبق والتدقيق في الهوية والتفتيش خارج الفرع، بالإضافة إلى تأمين محيطٍ دائري حول كلّ مصرف يتولاّه رجال أمن رسميون أو غير ذلك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...