"بيروتشيما"... كأنّ الجريمة تُرتكب مرّتين


 جاء في "الراي الكويتية":

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة وسبع دقائق في ذاك الثلاثاء الأسود قبل عامين، حين هَوَتْ بيروت في انفجارٍ «هيروشيمي» غيّر وجهَ عاصمةٍ صارت في ثوانٍ مُفْجعة... تحت الركام.

عامان على «بيروتشيما» الذي حوّل نصف العاصمة كتلة من نار وخراب، وترَكَ أبناءها يغرقون في دمهم الذي سُفك بـ «تَغافُل» عن 2700 طن من نيترات الأمونيوم، خُزنت في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت لمدة نحو 7 أعوام إلى أن حلّ... الدمار الشامل.بين 2020 و2022، لا جريمة العصر وملابسات الانفجار - الزلزال الذي بلغ دويّه قبرص وسوّى عصْفُه الشطر الشرقي من بيروت بالأرض كُشفت، ولا موجات الصدمة التي ما زالت تعصف بعائلات مئات الضحايا وآلاف الجرحى هدأتْ.

24 شهراً، كأن الزمن فيها «تَجمَّد»... فالمَشاهدُ المُفْجِعَةُ لواحدٍ من أكبر 3 انفجاراتٍ غير نووية عرفها العالم، لم تنفكّ تُستعاد في الرابع من كل شهر، ومعها حكايا الضحايا الذين لم تجف بعد دموع عائلاتهم وصارت صورهم «سلاحاً» بوجه «قَتَلةٍ»، بالإهمال أو التواطؤ، أو إشاحة النظر، أو بقرارٍ أو كبسة زر من جوّ.

عامان، وفاجعة 4 أغسطس تُحْدِثُ هزاتٍ ارتداديةً، سياسية وقضائية وأمنية، بعدما وقع الجميع في حفرة المرفأ العملاقة التي يُراد أن «يُطمر» التحقيق فيها، فتبقى الجريمة... برسْم مجهول.

وإذا كانت الذكرى الأولى للانفجار انطبعتْ بمشهديةٍ شعبيةٍ كبيرةٍ أكدتْ أن ما جرى في 2020 تحوّل قضيةً «إنسانية قِيَمية» في موازاة بُعدها القضائي الذي يختزله شعار «الحقيقة والعدالة والمحاسبة»، فإن الذكرى الثانية اليوم تحلّ مُثْقَلة، إلى جانب «الشلّ المتعمّد» للتحقيقات، بتراجيديا بدء دومينو انهيار إهراءات المرفأ التي كانت صمدت بوجه «تسونامي» الدمار وحمت الشطر الغربي من العاصمة.

وأي مفارقة سوريالية أن تجد المسيرات الحاشدة التي ستتوّجه اليوم إلى موقع الانفجار نفسها أمام طوق أمني بدأ فرضه أمس في محيط المرفأ، وسط قطع السير على الطريق المحاذية للأوتوستراد مقابل الإهراءات وتحويله الى الطرق المجاورة مع إخلاء عدد كبير من الموظفين، وسط مؤشراتٍ على أن سقوط ما تبقى من صوامع في الجهة الشمالية من الإهراءات أصبح وشيكاً، وهو ما سبق أن دعت وزارتا الصحة والبيئة بإزائه لإجراءاتٍ (لمدة 24 ساعة) في شعاع 500 إلى 1500 متر، مع إخلاء المناطق الأقرب تحسّباً لكمية الغبار التي قد تنتج عن الإنهيار الذي تسبّبت به حرائق لم تهدأ منذ أسابيع واندلعت بفعل تخمّر كميات كبيرة من القمح والحبوب الموجودة داخل الصوامع.

ولن تُثني انهيارات الإهراءات، التي تولت دولة الكويت تمويلها في عهد سمو الأمير الراحل الشيخ صباح السالم الصباح الذي حضر وضْع حجر الأساس لها مع الرئيس اللبناني شارل حلو، الحشود عن المشاركة في هذه الذكرى التي تحلّ وسط إقفال رسمي وإعلان حداد وطني، بعدما تحوّلت قضية الإهراءات عنواناً «تحفيزياً» لعائلات الضحايا الذين يتحدثون عن تعمُّد ترْكها فريسة النيران لهدمها ومحو «آثار الجريمة» ويصرون على إبقائها شاهداً على... هيروشيما لبنان.

المصدر : الراي الكويتية

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...