هل بدأت روسيا إعادة تقييم حضورها في لبنان؟

 

لا يُمكن عزل انسحاب شركة "نوفاتيك" الروسية من كونسورتيوم "توتال" الفرنسية و "إيني" الإيطالية، الفائز بحقوق الحفر والتنقيب والإستكشاف في الرقعتين 4 و 9 اللبنانيتين، عن الأسلوب الجديد الذي بدأت روسيا تنتهجه في بيروت.

في كتاب انسحابها بتاريخ 30 حزيران الماضي، برّرت الشركة الخطوة، بأنها تعود لجملةٍ من الأسباب المالية، الإقتصادية وطبعاً السياسية. لكن التدقيق في الأوراق يُظهر جوانب أخرى، على صلة بتطورات بارزة من المرتقب أن يشهدها لبنان و المنطقة.في الواقع، نُقل في السابق، ومن خلال أكثر من جهة أو فريق داخلي لبناني على درجة من القرب من الروس، أن موسكو في صدد إعادة تقييم حضورها في لبنان، ربطاً بعدة تطورات، من بينها الصراع الروسي – الأوكراني والتأثير الذي شكّله الأميركيون على السياسة اللبنانية، وصولاً لإصدار عدة بيانات تحمل في طياتها إدانةً لموسكو، لعلّ آخرها ما ارتبط بمسألة "الباخرة لوديسيا" السورية، والتي اتُهمت من جانب سفارة أوكرانيا في بيروت بأنها تحمل محاصيل زراعية أوكرانية مسروقة. حينها سمعت موسكو أصداءً مؤيدة لهذا الإتهام، ومن سياسيين لبنانيين شديدي القرب من واشنطن، وطبعاً تعاملت عبر سفارتها في بيروت مع القضية بهدوء تمهيداً لكشف الحقيقية. مع ذلك، لم تعثر موسكو في بيروت على اعتذارٍ واحدٍ منها، من كلّ ما قيل في هذا الإطار. ثم توالت القضايا وليس آخرها، "دسّ" السفارة الأميركية في بيروت، للعلم اللبناني إلى جانب الأوكراني، لتتولى الكلام عن الجانب اللبناني اعتراضاً على الحرب الروسية.


كلّ هذه القضايا، بالإضافة إلى أخرى على صلة بطبيعة إدارة العلاقات مع موسكو منذ زمن وعبر أكثر من حكومة، حتّمت على روسيا إعادة صياغة علاقتها مع بيروت، إلى حدٍ ما، من دون أن يُلاحظ حتى الآن، أن ثمة رغبةً روسيةً في الإنسحاب من لبنان. ويُشار في هذا المجال، إلى أن روسيا، وإن كانت تعمل على إعادة إنتاج سياساتها هنا، لكنها في الوقت نفسه لا رغبة لديها في "معاقبة" لبنان على أيّ موقفٍ، لأسبابٍ عدة، من بينها وجود حلفاء لها في بيروت لا يقبلون السياسات المعتمدة، كما أنها لا تنوي تصنيف لبنان كدولةٍ معادية، وهذا الأمر يتطلّب المحافظة على المجهود السياسي.

أمّا في مسألة الغاز و النفط والإستكشافات والتي من المتوقع أن يُقبل لبنان على مرحلة تدشينها، في حال تمّ توقيع اتفاقيةٍ حدودية مع إسرائيل برعاية أميركية، فللبحث صلة. ثمة من يعتقد أن موسكو تعتبر أن النشاط التجاري الإسرائيلي – الأميركي في المنطقة، ومحاولة ضمّ لبنان إليه، يأتي في سبيل تأمين الغاز إلى أوروبا كبديلٍ عن الغاز الروسي، ما يعني أن الأميركيين يبحثون عن أسواق أخرى للغاز.

عند هذه النقطة، بدأ يتولّد شعور يشي بتحوّل شرق البحر المتوسط إلى رقعةٍ ساخنة رويداً رويداً. وفي ذات السياق، يعتقد بعض المعنيين، أن خروج الشركة الروسية من الكونسورتيوم الخاص بالبلوكات اللبنانية 4 و 9، لا يتّصل فقط بالظروف المحيطة بالبلوك رقم 9 تحديداً وارتفاع لغة الحرب، ما قد يساهم في التأثير على الإستثمارات المتوقفة أصلاً، وإنما يتّصل بظروفٍ روسية داخلية. فبطبيعة الحال، موسكو التي تتحكّم في توجيه شركاتها، لن تغدو شريكاً في مسألةٍ، تستهدف بشكلٍ رئيسي تقويض وجود روسيا كقوةٍ غازية واستبدالها على المدى البعيد بأطرافٍ أخرى، بصرف النظر عن قدرة هذه الأطراف أو حضورها.

ينقلنا هذا الاعتقاد تدريجياً إلى بدء معاينة تحوّلات ستشهدها منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، في ضوء تقدّم أكثر من قوة "متنافسة" تقليدياً، من أجل السعي وراء استكشافات الغاز، مع العلم أنه لن يطول الأمر حتى تبدأ تلك الأطراف بالتوافد، على شكل شركاتٍ ساعية إلى الإستثمار، لكن بشكلٍ منعزل عن الشركات الأوروبية التي، وفي طبيعة الحال، تخدم وجهة النظر أو سياسات الدول الاوروبية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...