الحكومة تقطع نصف الطريق... عون يقدم ملاحظاته وميقاتي منفتح


 جاء في "الجمهورية":

ما بين استشارات التكليف في بعبدا واستشارات التأليف في ساحة النجمة، مقولة سَعت بعض المستويات السياسية الى أن تواجه من خلالها موجة التشكيك في إمكان تشكيل حكومة خلال فترة الاشهر الاربعة المتبقية من عهد الرئيس ميشال عون، وتفيد بأنّ وجود حكومة مهما كان شكلها أو نوعها او تركيبتها، وحتى ولو كانت مجرّد هيكل، خَير على البلد من استمرار حكومة تصريف الاعمال. وفي الاستشارات بوجهَيها، تَبارت المكونات السياسيّة في تحديد المواصفات التي يتوجّب توفّرها في الحكومة الجديدة، وفي سرد مطوّلات تؤكد حاجة البلد الملحّة الى حكومة تنجز ما يمكن إنجازه، وحتى لو اقتصر دورها على حقن الازمة والناس بمسكنات لا اكثر. ولكن وسط كل ذلك سؤال ما زال يبحث عن جواب: هل ثمّة من هو مستعجل فعلاً على تأليف حكومة؟

الوقائع الاخيرة التي توالت على مشهد التأليف، لم تكسر هذا السؤال بل عَزّزته أكثر، فالرئيس المكلّف نجيب ميقاتي قدّم أسرع تشكيلة وزارية في تاريخ تأليف الحكومات، فقوبِلت بما يمكن وصفه ايضاً بأسرع تسريب لها، لا يعكس الرضى الرئاسي عليها، بحيث بدل ان تكون تشكيلة مستورة مطروحة للنقاش خلف الجدران الرئاسية، صارت لعبة مكشوفة مفتوحة على مرحلة غير محددة من الأخذ والرد تتداخَل فيها المكايدات والتناقضات والشروط المتبادلة.

التشكيلة أُحبِطت!

الأمر البديهي والمسلّم به في هذا السياق، هو انّ الاستعجال المطلوب لتشكيل حكومة، هو مسؤولية ملقاة بالدرجة الاولى على المعنيين مباشرة بملف التأليف، وعلى وجه الخصوص رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، الا انّ ما أحاط تقديم المسودة وتسريبها من مواقف اعتراضية وهجومية، عكسَ بما لا يقبل ادنى شك، إرادة، ربما تكون متعمّدة، لإبقاء مسار التأليف مجمّداً في مربع التأخير الى اجل غير مسمّى.

واذا كان الرئيسان عون وميقاتي بوصفهما الشريكين في عملية التأليف ينأيان بنفسيهما عن «ارادة التأخير»، بل بالعكس فهما ما يزالان يعكسان إصرارهما على ولادة سريعة للحكومة، الا انّ الاجواء التي سادت لقاءهما بالأمس في القصر الجمهوري، بَدت فيها تشكيلة ميقاتي وكأنها قد أحبطت رئاسياً، بعدما قوبِلت بملاحظات رئاسية حول المعايير التي اعتمدت في إعدادها، وبطرحٍ رئاسي ينسف حجمها ويقترح توسيعها من 24 وزيرا الى 30، عبر تطعيمها بوزراء سياسيين وحزبيين.

أجواء اللقاء

وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ اجواء لقاء الرئيسين عون وميقاتي أمس عكست الوقائع التالية:

اولاً، اجواء النقاش كانت هادئة بصورة عامة، ولم تشهد اي تشنجات.ثانياً، انّ الرئيس المكلف بَدا ممتعضاً، وعبّر صراحة عن استياء بالغ مِن تَعمّد تسريب تشكيلته التي كان يفترض ان تبقى سرية، خصوصا ان هذا التسريب غير المبرر وغير الموفّق وغير الجائز بَدا خطوة تعطيلية للتشكيلة الوزارية قبل بدء النقاش الجدي والمسؤول فيها بين الرئيسين حصراً.

ثالثاً، كان الرئيس المكلف منفتحاً على النقاش في تشكيلته، جرى التأكيد على انه من الاساس، لم يطرح تشكيلته كتشكيلة مُنزلة، بل كمشروع قابل للنقاش، ليصار من خلال هذا النقاش مع رئيس الجمهورية حصراً، الى بلوغ تفاهم على صيغة حكومية ضمن مهلة زمنية حدودها ايام قليلة.رابعاً، ان الرئيس عون قدّم خلال اللقاء رؤيته للحكومة الجديدة، ولم يُبدِ رفضا صريحا ومباشرا لتشكيلة ميقاتي، بل أبدى رفضا مقنّعا لها عبر سلسلة من الملاحظات، حيث لم يتم الدخول في استعراض الاسماء الوزارية المقترحة من ميقاتي، بل أثيرت اسئلة حول «معايير التوازن» التي اعتمدت في اعداد هذه التشكيلة، وهل ان هذه التشكيلة تراعي هذا التوازن، والمعايير الموحدة التي يفترض ان تسري على الجميع؟ وكذلك حول سبب حصر المداورة بوزارات معيّنة، ومع ابقاء وزارات اخرى محصورة بطرف معين؟.خامساً، انّ رئيس الجمهورية قرنَ ملاحظاته التي ابداها في اللقاء، بطرح توسيع الحكومة الى 30 وزيرا، عبر تطعيمها بوزراء سياسيين كوزراء دولة. وتردّد في هذا السياق انّ الغاية من طرح عون زيادة الوزراء السياسيين هي «رَفد الحكومة الجديدة بتغطية سياسية لها، تجعلها قادرة على مواجهة الاستحقاقات المهمّة التي تنتظرها في المرحلة المقبلة». فيما اعتبرت مصادر سياسية انّ «طرح عون تطعيم الحكومة بوزراء سياسيين، يُخفي في طيّاته محاولة لضَم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى الحكومة»، علماً انّ باسيل سبق له ان أكّد مرارا عدم رغبة التيار في المشاركة في الحكومة».

سادساً، ان الرئيس المكلف لم يبد اعتراضاً على ملاحظات عون او طروحاته بتوسيع الحكومة، على ان يأتي الجواب عليها في اللقاء التي تم التوافق عليه بينهما مطلع الاسبوع المقبل.

لم تَمت التشكيلة؟

وسط هذه الاجواء، ابلغت مصادر سياسية معنية بملف التأليف الى «الجمهورية» قولها: ان تشكيلة ميقاتي، وخلافاً لما يجري ترويجه، لم تَمت، بل انّ لقاء الرئيسين عون وميقاتي وَسّع دائرة النقاش حولها، وبمعنى ادق شكلت تشكيلة ميقاتي مرتكزاً للنقاش الجدي حولها، والذي أعطي فرصة اضافية من الآن وحتّى موعد اللقاء المقبل بين الرئيسين، ربما الاثنين المقبل، لعل المشاورات التي ستجري في اليومين المقبلين تؤسّس للقاء مثمر بين عون وميقاتي، ولنتائج ملموسة من شأنها أن تسرّع في ولادة الحكومة، وبالتالي فإنّ الامور ليست مقفلة.

وردا على سؤال، استغربت المصادر ذهاب البعض الى افتراض انّ ميقاتي رمى من التسريع في تقديم تشكيلته الى حَشر رئيس الجمهورية، وسألت: «اين هو الحشر طالما ان هذه التشكيلة لا تتمتع بصفة الإلزام، وطالما انّ رئيس الجمهورية في يده ان يقبل هذه التشكيلة او يرفضها؟».

ولفتت المصادر الى انه «لم يسبق في حياتنا السياسية ان تطابقت الرؤى والطروحات السياسية وغير السياسية، وبالتالي من الطبيعي جدا ان تكون رؤى وطروحات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يشوبها بعض الاختلاف وربما التناقض، وهذا الامر ليس بجديد وقد شَهدناه في كل تجارب تأليف الحكومات السابقة، والنقاش العقلاني والموضوعي وحده الكفيل بتقريب وجهات النظر وبناء مساحات وقواسم مشتركة تُفضي الى حلول. ومن هنا ينبغي النظر الى النصف الملآن من الكوب، فالرئيس المكلف، ووفق ما تمنحه صلاحياته الدستورية، قام بواجبه وسارَع الى تقديم تشكيلة وزارية كسر من خلالها القاعدة القديمة التي لطالما كانت تأسر تشكيلة الحكومة في مراوحة التأخير والمماحكات. وايضاً رئيس الجمهورية، ووفق صلاحياته أبدى ملاحظاته، وأُبقِي باب النقاش مفتوحاً بين الرئيسين».

ميقاتي: الوقت ضيق

وقد تكتّم الرئيس المكلف على اجواء لقائه امس برئيس الجمهورية، وغادر لقاء بعبدا من دون اي تصريح، واكدت اوساطه لـ»الجمهورية» ان الاولوية تبقى لتأليف حكومة في اقرب وقت ممكن، والوقت يضغط بقوة ووضع البلد لا يحتمل التأخير في الحكومة، ومن هنا فإنّ النقاش بين الرئيسين سيُستكمل في ضوء دراسة الملاحظات التي ابديت في لقاء الامس».

وقد اكتفت المعلومات الرسمية الموزّعة عن اللقاء بالاشارة الى ان الرئيس عون استقبل الرئيس المكلف، في القصر الجمهوري في التاسعة من صباح امس وتداوّل معه التشكيلة الحكومية المقترحة وتم خلال اللقاء، طرح بعض الأفكار والاقتراحات، علماً انّ لقاء آخر سيعقد بين الرئيسين عون وميقاتي مع بداية الأسبوع المقبل، لاستكمال البحث والتشاور».

أسبوع حاسم

الى ذلك، أكد مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» ان «لا موجب لتأخير اعلان الحكومة على الاطلاق، ولا نرى في الافق ما يحول دون ذلك، خصوصاً انها قاطعة سلفاً نصف الطريق مع تحديد المكونات التي ستتشكّل منها، وسهل ذلك قرار بعض المكونات عدم المشاركة فيها اما بالنسبة الى الحصص داخل الحكومة فبالامكان تحقيقها، خصوصاً أنّ الرئيسين عون وميقاتي قادران على تدوير الزوايا في هذا الخصوص، وهذا يعني ان الامور ينبغي ان تبلغ خواتيمها الاسبوع المقبل».

وقال: كل عقدة لها حلّ، الازمة تضغط وكذلك الوقت، ولذلك نحن امام ايام حاسمة لنتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، بحيث تتحدد فيها الوجهة النهائية للمسار الحكومي، فالتواضع في الطروحات سيقود في اتجاه تأليف الحكومة خلال الاسبوع المقبل، واما التصلّب فسيقود حتماً في اتجاه إبقاء الحال على ما هو عليه، ومعنى ذلك زيادة المصاعب على البلد».

لا للاستضعاف 

على انّ مصادر قريبة من التيار الوطني الحر قالت لـ«الجمهورية» انها لم تتفاجأ بموقف رئيس الجمهورية ممّا وصفتها «التشكيلة المتسرّعة» التي قدمها الرئيس ميقاتي»، مشيرة الى انّ تشكيلة ميقاتي تستبطِن في الجانب الاساسي منها استفزازاً ومحاولة استهداف واضحة ومتعمّدة، تتبدّى في ما يجري ترويجه عبر بعض المنصات السياسية من انّ الرئيس عون لن يُعطَى في «حكومة الاربعة اشهر» المَنوي تشكيلها، ما لم يستطع ان يأخذه في 6 سنوات، علماً انّ اصحاب هذه المقولة يدركون جيدًا أن رئيس الجمهورية، لن يُعطِي في 4 اشهر ما لم يعطه خلال 6 سنوات، وبالتالي يرتكب خطأ فظيعاً من يعتقد انّ في إمكانه استضعاف العهد في الاشهر الاخيرة من ولايته».

ولفتت المصادر الى انّ الملاحظات التي أبداها رئيس الجمهورية تشكّل عامل التسهيل الاكيد لولادة سريعة للحكومة، ذلك انّ التشكيلة بالصورة التي قدمت فيها تفتقِد الى معايير التوازن المطلوب داخل الحكومة، وتركّز على طرف دون سائر الاطراف، بحيث انها تحصر المداورة بوزارات محددة ومنها وزارة الطاقة ونقلها من فئة الى فئة، في محاولة يبدو القَصد منها إلقاء مسؤولية الاهتراء في قطاع الكهرباء على فريق رئيس الجمهورية، وهو ما لا يمكن تمريره او القبول به، نحن بالتأكيد مع المداورة في كلّ الوزارات، وليس مع مداورة جزئية تُراعي فريقاً على حساب آخر».

ورفضت المصادر تأكيد او نفي ان يكون رئيس الجمهورية قد طرح تطعيم الحكومة الجديدة بسياسيين، الا انها قالت: إنّ طرح الحكومة المطعّمة بسياسيين ليس طرحاً آنياً، انما هو طرح دائم جرى تسويقه في كل الحكومات التي شكلت في عهد الرئيس عون، وتشاركه فيه غالبية المكونات السياسية بعدما ثبت لديها فشل الحكومات التي سمّيت حكومات تكنوقراط».

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...