الاستحقاق الرئاسي «على النار».. والطبخة الحكومية محروقة


 جاء في "الراي الكويتية": 

استعادتْ الحركةُ السياسيةُ في بيروت نشاطاً بدا على طريقة ملء الفراغات الكبيرة في ملف تشكيل الحكومة الجديدة التي تتنقّل أزمتها بين نسخةٍ صامتة وأخرى مع «مكبرات صوت» محمّلة بدويّ معركة الانتخابات الرئاسية التي تقترب من دخول الأربعين يوماً الأخيرة الفاصلة عن بدء المهلة الدستورية لاختيار خلَفٍ للرئيس ميشال عون (31 أغسطس) الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر المقبل.

وطغتْ على المشهد الداخلي أمس لقاءاتٌ ديبلوماسية وأخرى ذات صلة بملفاتٍ معيشية تَوَزَّعَتْ خصوصاً بين عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي لم تحمل عودته الى بيروت أي اختراق في جدار تأليف الحكومة المكلّف هو بتشكيلها، والذي بات له وجهان:الأول شكلي عالِق عند ما اعتبرتْه رئاسة الحكومة إساءةً لمقامها، بدأت بتسريب التشكيلة التي قدّمها ميقاتي إلى عون قبل 20 يوماً أي غداة تكليفه، ولم تنتهِ بعدم تحديد القصر موعداً طلبه الرئيس المكلف (قبل عيد الأضحى) لاستكمال النقاش بالصيغة الحكومية، وسط اعتبار مصادر قريبة من ميقاتي أن الكلامَ عن أن أبوابَ بعبدا مفتوحة أمامه بمعنى عدم المبادرة لإبلاغه حسب الأصول موعد الزيارة أمرٌ لا يسهّل تفكيك تعقيدات التأليف، وأن ربْطَ قصر بعبدا حصول اللقاء، كما جاء في بيانه، بانتظار «مقاربةٍ جديدة من الرئيس المكلف في ضوء الملاحظاتِ التي كان أبْداها رئيس الجمهورية على التشكيلة المقترَحة تحصيناً لها» لا يساعد في مسار التشكيل.

والثاني يرتبط بجوهر ما طَرَحه ميقاتي على عون والذي ارتكزَ على الهيكلية الرئيسية لحكومة تصريف الأعمال الحالية مع إدخال تعديلات عليها في 5 حقائب بينها انتزاع وزارة الطاقة من «التيار الوطني الحر»، وهو ما رفضه رئيس الجمهورية وفريقه متحدثاً عن «استهداف» و«انتقائية»، طالباً في شكل أساسي إما توسيع الحكومة لتصبح من 30 وزيراً عبر إضافة 6 وزراء سياسيين إليها، وإما «تصحيح» تشكيلةِ الـ 24 بتوحيد معايير التعديلات فيها باتجاه مداورةٍ شاملة في الحقائب.

علماً أن هذه الطروحات لا إمكان للسير بها لاعتباراتٍ عدة تراوح بين أن تدويرَ زواياها يتطلّب وقتاً يتجاوز دخول البلاد زمن الانتخابات الرئاسية، وبين أن أي إنجاحٍ لحكومة انتقالية لن تعيش أكثر من شهرين لن يكون ممكناً بتطعيمها بسياسيين ولا بإبقاء حقيبة الطاقة في يد التيار الحر ليتولى إدارة ملف الكهرباء ومسارات الخروج من أزمتها الكارثية.

ومن خلف الغبار الكثيف الذي جعل الملف الحكومي أسير عاصفة «باردة»، يلوح الاستحقاق الرئاسي بوصفه القفل والمفتاح في الواقع اللبناني، أولاً نتيجة بدء العدّ العكسي للمهلة الدستورية التي يفترض أن تجري خلالها الانتخابات، وثانياً بفعل تعاطي الجميع في الداخل والخارج مع هذه المحطة باعتبارها مفصلية في تحديد وُجهة الوضع في «بلاد الأرز» وإطلاق تغيير فعلي على جبهتيْ الإصلاحات واستعادة التوازن السياسي ببُعده السيادي.

وفي هذا الإطار، رأتْ أوساطٌ واسعة الإطلاع في بيروت أنه رغم الكلام العلني أو همْساً عن خياراتٍ عدة في شأن المرشحين المحتمَلين لرئاسة الجمهورية تبعاً لـ «بروفايل» المرحلة، فإن النائبَ السابق سليمان فرنجية يبقى الاسم الأكثر جدية وربما الأوفر حظاً.

وقالت هذه الأوساط لـ «الراي» إن رئيسيْ أكبر كتلتيْن مسيحيتيْن، (أي النائب جبران باسيل رئيس «التيار الوطني الحر» وسمير جعجع رئيس «القوات اللبنانية») هما خارج السِباق الرئاسي لأسباب مختلفة رغم أدوارهما المحتمَلة في «صناعة الرئيس».

وتحدثت الأوساط عن تضاؤل حظوظ الذهاب إلى «رئيس تسوية» يتشارك فيه الداخل والخارج وتُمْليه الحاجةُ إلى إحداث صدمة إيجابية على غرار ما يُحكى عن إمكان حصول تفاهم على إنتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً في ضوء تجربته الناجحة على رأس المؤسسة العسكرية رغم حال الانهيار الشاملة في البلاد.

ولم تُقِمْ هذه الأوساط وزناً لما يُشاع عن بروفايل اقتصادي يعزز فرصَ إحدى الشخصيات اللبنانية القريبة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك انطلاقاً من تَراجُع فاعلية الدور الفرنسي، وربما الأوروبي ربْطاً بمجريات الحرب الروسية - الأوكرانية.

وكشفت الأوساط لـ «الراي» عن ان الترتيبات السياسية التي تجري في بيروت تجعل فرنجية المرشح شبه الوحيد الذي يشقّ طريقه نحو الرئاسة، فهو يحظى بدعمٍ من اللاعب المحلي – الإقليمي الأكثر تأثيراً، أي «حزب الله».

وذكّرت الأوساط واسعة الاطلاع بأن «حزب الله» كان حَرَمَ فرنجية من الرئاسة مرتين، في العام 2004 يوم طُرح بديلاً عن التمديد للرئيس السابق إميل لحود، وفي العام 2016 حين بادر زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إلى ترشيحه وحظي بدعم أطراف عدة في الداخل والخارج.

وقالت إن «حزب الله» أُصيب يومها بـ«نقزةٍ» لوجود تَفاهُم فرنسي - سعودي حول دعم فرنجية من جهةٍ ومضى في تعطيل الاستحقاق

لـ «الوفاء بوعده» بفتح الطريق أمام وصول العماد ميشال عون إلى القصر من جهة أخرى.

ولن يكون مُمْكِناً لـ «حزب الله» - بحسب الأوساط - معاودة الكَرّة مع خليفة عون، النائب جبران باسيل، الذي تلقّى نصائح من قيادة الحزب بترْك الفرصة لفرنجية عبر تَفاهُم مشترك بين الطرفين يتناول المرحلة المقبلة التي تُمْلي تَعاوُنَهما.

ولفتت إلى أن «حزب الله» صارَحَ رئيس «التيار الوطني الحر» بأن المرحلة الحالية غير ملائمة لخوضه الاستحقاق الرئاسي، وأولويته ينبغي أن تكون لترتيب بيته الداخلي واستعادة حضوره السياسي وتَماسُكه بعد النكسات التي تعرض لها.

وأعربت الأوساط الواسعة الاطلاع عن اعتقادها ان «حزب الله» لم يقدّم نفسه ضمانةً لاتفاق الطرفيْن (فرنجية - باسيل) على الملف الرئاسي وما بعده كما يُشاع، بل هو يحضّهما على التفاهم على العمل المشترك والتطلع إلى الأمام وتدوير ما أمكن من زوايا.

ولم تستبعد هذه الأوساط أن تكون القنواتُ الخلفيةُ لحوار «التيار الحر» و«تيار المردة» تشهد جوجلةً لأفكارٍ حول تَعاونُهما في الولاية الرئاسية لفرنجية، كالحكومات والحصص فيها والتعيينات في المواقع الحساسة وما شابه.

المصدر : الراي الكويتية

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...