"جمهورية ساحة النجمة": نواب وكتل وقوانين مُعلَّبة

 

مَن حضر الجلسة التشريعية الاولى لمجلس نواب الـ2022 كوَّن انطباعا سريعا عن ما أفرزته صناديق الاقتراع وقانون الصوت التفضيلي، وجزم بأن البلد ذاهب نحو الانهيار القريب على يد بعض النواب المراهقين أو الذين اكتشفوا حديثا أنهم وصلوا عن طريق الصدفة.

وحدها مطرقة رئيس المجلس نبيه بري "شغّالة" وصوته يصدح في أرجاء القاعة "يُسكت" هذا النائب و"يُمرّك" على رئيس هذا التكتل، في حين يظهر عدد كبير من النواب بأنهم يعيشون خارج البلاد وأن الازمة والانهيار الذي ينتظرنا ما هو برأيهم الا سراب ومن نسج خيال مطلقيه في مناقشة مشاريع القوانين التي تم إقرارها ومنها على سبيل المثال قرض البنك الدولي المتعلق بإمداد لبنان بالقمح وقدره 150 مليون دولار، تم اقرار القانون ولكن أُعيد البند المتعلق بآلية الصرف، وهنا بدا الجميع مربكا وكأنه غير مطّلع على هذا المشروع الذي مرّ على اللجان، والحجة التي تم تبريرها أن المجلس ينتظر موافقة البنك الدولي ليُصار بعدها الى وضع الآلية لصرف اعتماد القرض، في حين يبقى السؤال عن سعر الصرف فهل سيكون على الـ 1500 ليرة أم على سعر الصرف في السوق السوداء؟ وهل من قطبة مخفية لهذا الامر قد يلجأ اليها بعض السماسرة والمتورطين من سياسيين وحزبيين فتقر آلية تساعد على "شفط" هذا القرض من دون الاستفادة منه؟.أسئلة مشروعة يحق للبناني أن يطرحها أمام مجلس نيابي غير آبه لما يحصل في البلاد، فرغم كل العراضات على الشاشة وفي الاعلام، تجد النواب من مختلف الكتل يتحدثون بأريحية مع بعضهم، فنائب القوات يمازح نائب حزب الله وبالقرب من نائب حركة أمل يتواجد نائب في التيار الوطني الحر يشرح له فوائد الزراعة وكيفية اطلاق المشاريع التي قد تستقطب دعم المنظمات غير الحكومية.

ورغم كل الصراخ في القاعة الا ان الجميع على قناعة بأن النقاش الحاد لا يتعلق بكيفية الوصول الى حل لا يُثقل كاهل المواطن كالقروض التي أُقرت، بل هو صراخ يتعلق بتحسين شروط كل طرف للاستفادة من القوانين التي يتم إقرارها لاسيما تلك التي تتضمن الفريش دولار.

الجلسة الاولى لمجلس النواب تعكس رغبة كل طرف باقتطاع الجزء الاكبر من قالب الجبنة والاستفادة منه حزبيا أو سياسيا، وأمام أعين السفيرة الاميركية التي غادرت القاعة قبل الوصول الى البند المتعلق بمشروع قانون السرية المصرفية، كان النواب يواظبون على افتعال المشاكل لاسيما في النقاش المتصل بالقوانين التي تقر اعتمادات اضافية او يتم من خلالها الموافقة على قروض وهبات، اما قانون السرية المصرفية المطلوب من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة فقد تم اقرار التعديل الذي طرأ عليه والذي انقسمت حياله الآراء، اذ رفض نواب التغيير هذا التعديل بحجة ابقاء القديم على قدمه وبرأيهم يشكل ايضا حصانة على الاموال المهربة، في حين أصر نواب الاحزاب والكتل النيابية الاساسية على هذا التعديل لأنه يحافظ على روحية المبدأ ولا "ينسف" السرية المصرفية المطلوبة من الخارج.

في جلسته الاولى عكس المجلس النيابي عمق الازمة في البلاد وهي أزمة قوى حزبية تسعى الى الابقاء على مكتسباتها ولو على حساب الدولة، وبرهنت جميع القوى تغييرية أم تقليدية أننا في عصفورية مختلفة عن العصفورية التي تحدث عنها الرئيس نجيب ميقاتي، هي أشبه بحفلة جنون ورقص على جثة محنط.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...