الصراعات ومفوض سامٍ بلقب "رئيس"... هكذا يُنتخب! (2)

 

لم يكمل أمين الجميّل اتفاقية السلام مع إسرائيل، عمل الجميّل على الاتفاق مع شفيق الوزان (رئيس الحكومة يومها) وبالرغم من موافقة عربية وإسلامية ومعارضة سورية طبعاً، ألغى الجميّل الاتفاق في الليلة التي سبقت التوقيع في 17 أيار 1983 وقد بقيت أسبابه غير واضحة (حتى في كتاب مذكراته "الرئاسة المقاومة" لم يعطِ الجميّل أسباباً كافية) فكانت النتيجة الأولى لذلك "حرب الجبل" 1983 والانسحاب الإسرائيلي وعودة السيطرة السورية على القسم الأكبر من لبنان ثم انهيار الليرة اللبنانية وعودة السيارات المفخّخة والقصف السوري على المناطق الشرقية، واستمر التدهور الامني والاقتصادي على حاله حتى نهاية العهد والاستحقاق الرئاسي عام 1988.

وفي 22-09-1988 سلّم أمين الجميّل الحكم الى مجلس الدفاع الأعلى الذي يرأسه ميشال عون بصفته قائداً للجيش، وبحسب الدستور (قبل تعديله في الطائف) تنحصر مهمة الحكومة الإنتقالية في تحضير الفرقاء المعنيين لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلّا ان ذلك لم يحصل وانقسمت الدولة الى إدارتَين وجيشَين وحكومتَين ليعلن عون مفاجئاً الجميع "حرب التحرير" في آذار 1989 التي أوصلت الى اتفاق "الطائف" قبل البدء بحرب ثانية "مسيحية -مسيحية" عُرفت بـ "حرب الإلغاء" بين القوات اللبنانية والجيش اللبناني في شباط 1990.

نتُخب رينيه معوّض بتوافق سوري - سعودي وبرعاية دولية الى جانب الفرقاء السياسيين والنواب الذين شاركوا في هذا الإتفاق في 05-11-1989 كأول رئيس للجمهورية بعد "الطائف" وكشخصية وسطية لا تشكل استفزازاً لأحد بهدف ايجاد حلّ سلمي للأزمة القائمة، ولكن رئاسة معوّض لم تدم سوى 17 يوماً، فاغتيل في 22-11-1989.في 24-11-1989 أي بعد يومين من إغتيال رينيه معوّض دعا غازي كنعان (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان آنذاك) النواب الى "بارك أوتيل" في شتورة لإنتخاب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية ليصبح بذلك أول رئيس يُعيّن مباشرة من سوريا كمفوض سامٍ بلقب "رئيس".

بدأ الهراوي عهده بشنّ هجوم على المنطقة الشرقية الواقعة تحت سيطرة ميشال عون بهدف طرده من قصر بعبدا في 13-10-1990 وخُلّد هذا اليوم بشعار "13 تشرين". دخل السوريين مجدداً الى المناطق المسيحية (وكما ذُكر حينها انها المهمة التي رفضها رينيه معوض وسار بها الياس الهراوي) لنشهد بعدها على إنهيار إقتصادي أشدّ اعتُبر الأقوى حينها (طبعا قبل ان نعايش الإنهيار الحالي) الى حين جرى توافق سعودي-سوري يقضي باهتمام الأولى بالإقتصاد والثانية ترخي بقبضتها السياسية والامنية على لبنان فتمّ تعيين رفيق الحريري رئيساً للوزراء لتبدأ معه مشاريع إعادة الإعمار.عند انتهاء ولايته أُجبر النواب على تعديل الدستور بهدف التجديد للهراوي مدة ثلاث سنوات أخرى، لينتهي بعدها عهد أعطى السوريين اتفاقات وتعهّدات مهينة ومخزية بحق لبنان والتي لم يجرؤ احد حتى الآن على إلغائها او حتى تعديلها.

عند انتهاء ولاية الهراوي انتخب المجلس النيابي الموالي للنظام السوري إميل لحود رئيساً للجمهورية كمفوض سامٍ آخر بلقب "رئيس" لتستمر معه الحقبة الأمنية السورية بدرجة تحكم أفظع، وعند انتهاء ولايته الأولى وبعد تمرّد بعض الكتل النيابية على السيطرة السورية أجبرت هذه الأخيرة النواب على التمديد له لثلاث سنوات أخرى حتى الـ2007 .لم يكن للحود اي دور طوال فترة عهده سوى انه الناطق الرسمي للنظام السوري، شهد بداية العهد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب في نيسان 2000 ونداء "بكركي" في 20 ايلول 2000 الذي قام على أثره تجمّع للقوى المسيحية عرف بتجمع "قرنة شهوان" ليعرف لاحقاً بـ "تجمع البريستول" بعد ان انضم اليه فرقاء سياسيين من كل الطوائف وهو كان الأساس في انتفاضة الاستقلال في الـ 2005 التي ساهمت بمساعدة المجتمع الدولي والاميركيين في طرد السوريين من لبنان في نيسان 2005 إثر اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14-02-2005 .

شهدت مرحلة التمديد للحود أحداثاً تاريخية عديدة في السياسة اللبنانية لم نزل نعيش تداعياتها حتى الساعة، بدأت بمحاولة اغتيال مروان حمادة الى إغتيال رفيق الحريري وانتفاضة الإستقلال وخروج السوري من لبنان وانقسام الساحة الى فريقين 8 اّذار الموالي لسوريا و 14 اَذار المطالب بالسيادة وقد نال أكثرية مقاعد المجلس النيابي في انتخابات الـ2005 ما تسبّب له بسلسلة اغتيالات سياسية لم يشهدها لبنان من قبل.

عهد لحود شهد كذلك، حرب تموز (2006) ومعارك نهر البارد (2007) التي انتهت بانتصار الجيش على الرغم من ان لحود وقوى الثامن من اَذار وقفوا ضد تدخل الجيش والجميع يذكر السيد حسن نصرالله في خطابه الشهير حينها، حيث قال: "نهر البارد خط أحمر!".

انتُخب ميشال سليمان في 25 أيار 2008، وهو أول رئيس للجمهورية بعد الانسحاب السوري من لبنان، وبعد ستة اشهر من فراغ رئاسي وأحداث أمنية واغتيالات سياسية وبعد احتلال حزب الله والقوى الداعمة له مناطق بيروت السنيّة في 7 أيار 2008 ما استدعى تدخّل الدول العربية التي دعت آنذاك الى إجتماع في الدوحة عُرف بـ"إتفاق الدوحة"، فتمّ الاتفاق على تسمية ميشال سليمان كمرشح تسوية الى ان اندلعت الحرب السورية في اَذار 2011، وقد دعا على إثرها الرئيس سليمان الفرقاء اللبنانيين الى طاولة حوار في بعبدا في الـ2012 للتوافق على تحييد لبنان عن الصراع في سوريا، نتج عنه "اعلان بعبدا" الذي وقّع عليه كل الفرقاء السياسيين، إلّا ان حزب الله ما لبث ان نقض الإتفاق وتدخّل مباشرةً في الحرب السورية، ما أدّى الى قطيعة بينه وبين قوى الثامن من اَذار حتى انتهاء العهد في 24 أيار 2014.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...