أرض الوفاق


إستنفَر الجميع في موضوع الغاز وكاريش والنقاش بين خط 23 و29، وبدأ البعض يطالب «حزب الله» بالتدخّل المباشر لِحشره في الزاوية وإحراجه، وإعطاء تعليقات على غرار «ما نفع السلاح اذا لم يستعمله للدفاع عن حقوق لبنان في الغاز؟».

إنّ دفع «حزب الله» الى التدخل لا يأتي من خلفية وطنية بل لإدخال الحزب في نزاع وليُظهره في موقع المعتدي في قضية يتم التفاوض حولها حالياً دوليّاً. هذا سيكبّد لبنان خسارات ضخمة، ولو تجاوبَ الحزب لكنّا تعرّضنا لخسائر تزيد أزمتنا الاقتصادية تأزّماً. هل هذا ما يريده هؤلاء؟

 

وكنّا نتمنى ان لا يبادر الحزب الى التعليق حتى، انّ عدم التعليق والتجاهل هو ما تستحقه هذه المحاولات.

 

ونودّ التذكير في هذا السياق أنّ السلاح وُجد لأسباب دفاعية رداً على احتلال جنوب لبنان والذي استمر ما يقارب العشرين عاماً، ماذا فعلنا خلال هذه الفترة؟ وماذا فعلت الدول القوية الصديقة التي تطالب بنزع السلاح؟ لقد ترك الجنوبيون لمصيرهم من دون ايّ تدخل او تحرّك دعونا لا نخدع أنفسنا، لم يحرّك أحد ساكناً، فدفعَ اليأس أصحاب الارض الى مقاومة شرسة استمرّت طويلاً، وتم تقديم تضحيات جسيمة أدّت الى تحرير الجنوب في العام 2000، علماً انه في هذه المرحلة كان الجيشان اللبناني والسوري موجودين ولم يقدرا على ان يغيّرا المعادلة، ولا نلومهما او نقلّل من قيمة الجيش اللبناني، فإرسال جيش لمواجهة جيش آخر يفوقه تطوراً من حيث العديد والاسلحة يعتبر حماقة وليس شجاعة.

 

كان ذلك إنجازاً كبيراً جداً لـ»حزب الله» لا يمكن تجاهله او إنكاره، كما لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه في محاربة «داعش» والمتطرفين وصَدّهم بعد محاولتهم دخول الاراضي اللبنانية.

 

كنّا نتمنى على الحزب ان يوضح وان يشدد على انّ سلاحه دفاعي فقط وهذا حق مشروع، وهو عنصر قوة يجب عدم الاستغناء عنه، واود ان أوضح انّ السلاح الدفاعي هو الذي يُستعمل في حال الاعتداء على أرض الوطن من هجوم مباشر، ويكون استعماله على أرض الوطن وليس خارج نأمل في ان يتبنّى الحزب هذا التوصيف للسلاح لكي يحظى بأوسع تضامن ويغلق الباب على كثير من الانتقادات.

 

مع الاشارة الى انّ تدخّل الحزب على الارض السورية أتى في ظرف غير عادي، اذ ان تنظيم «داعش» لم يكن يحترم اي حدود ولو نجح في مخططه المرسوم لم يكن ليرحمنا وبالطبع حرب سوريا لا تطبّق عليها المعادلة لأنها حرب شاركَ فيها الجميع من اطراف لبنانية ودول كبرى وصغرى. أما موضوع الغاز والخطوط البحرية فيتم حلها في الامم المتحدة عبر التفاوض الذكي.

 

لقد علّمنا التاريخ انّ أملنا الوحيد، ونحن بلد صغير، لِردع الهجمات مهما كانت، هي حرب العصابات Guerillas، ولقد أثبتت نجاحها مراراً في مواجهة القوى العظمى وآخرها في أفغانستان. وقد وضعنا تصوّراً في مقالات سابقة بأن تمتلك كل الاطراف اللبنانية سلاحاً دفاعياً لاستعماله في حال حصول عدوان على غرار التجربة السويسرية ونؤسّس لتفاهم كاف لكي لا نستعمل السلاح في وجه بعضنا البعض، واذا فشلنا نكون غير جديرين بالتأسيس لدولة موحدة.

 

الالتزام بالسلاح الدفاعي هو الضمان الذي يُبقي سلاح المقاومة ضرورة اساسية لحماية البلد في ظل سياسات خارجية ودولية ظالمة ودور محدود للامم المتحدة. في رأيي علينا ان نُخرِج لبنان من النزاعات الاقليمية والعالمية، لأنّ ذلك لا يفيد أحداً بل يؤذينا بِالمْشَبرَح: «ما فينا نحلّ ولا مشكل خارج حدودنا»، إن كانت المشكلة الفلسطينية أو غيرها.

 

كما اعتماد سياسة جديدة تقضي بوقف التهديد والانتقاد لدول أخرى قريبة او بعيدة، فهذا نتائجه فقط سلبية لشعبنا، لن تفيد أحداً بل تؤذي لبنانيّي الخارج والداخل. لذا، نرجو من الجميع، المقاومة وغيرها، ان لا يَنتقدوا او يهددوا أحداً حتى ولو ظَنّوا انّ هذا الانتقاد مُحِق وأكرّر، العالم فيه كثير من الظلم من جهات عدة، لن نحلّها نحن بقدرتنا، ما دمنا لا نستطيع حل مشكلاتنا الخاصة واهمها التفكير كيف سنعيش معاً ونقيم تفاهمات بين كل الاطراف مماثلة لـ»تفاهم مار مخايل».

 

بالاضافة الى ذلك لنستعمل صداقاتنا وارتباطاتنا بدول خارجية لأهداف إنسانية ومد جسور الحوار والتفاهم، فنقرّب وجهات النظر على ارض لبنان بين المتنازعين، لا أن نستغلّ هذه النزاعات لتصفية حسابات سياسية داخلية، «خَلّينا نحلم بلبنان أرض الوفاق».

 

والأهم ان نتذكر دائماً انّ القوة الدفاعية وامتلاك السلاح وحده لا يحميان شعباً، القوة الاقتصادية هي ضرورة للعيش اللائق، وتفعيل الانتاج وخَلق فرص إنتاج، كما اعتماد الشفافية المطلقة وهي اساسية وخطوة اولى لبناء دولة خالية من الفساد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...