هدأت جبهة الجيش المتقدمة على خط تجار المخدرات ولكن الحرب لن تنتهي ومشروع "أبو سلة" الذي يتكاثر في أكثر من منطقة و"دُمّلة" المخدرات وعصابات الخطف والسرقة التي يديرها والتي أرهقت شرايين منطقة بعلبك الهرمل وامتد سرطانها الى مختلف المناطق اللبنانية، حان اليوم موعد استئصالها وفق تخطيط محكم لا يقتصر توقيته على اسبوع أو أشهر بل هو سيناريو مفتوح لا يرتبط بعامل الزمن.
"أبو سلة" أخطر تجار المخدرات في لبنان والمطلوب بعشرات مذكرات التوقيف بتهم مختلفة من إتجار وسرقة وخطف وكل ما يتصل بالعمليات الخارجة عن القانون، كان هدف الجيش اللبناني وتحديدا مديرية المخابرات التي تعقب منذ مدة الرجل الذي بات يشكل خطرا كبيرا بعد أن تحول الى "مصدر رزق" لعائلات تعتاش بالفريش دولار من خلال مساعدته على الترويج وتشكيل العصابات التي تنفذ مهمات يحددها أبو سلة وتتدرج من الاتجار الى ما هو أبعد من ذلك وداخل الحدود وخلفه.
مصدر أمني يؤكد لـ "ليبانون فايلز" أن رصد "أبو سلة" من قبل مخابرات الجيش هو نتاج عمل استخباراتي معقد وشائك بدأ بوضع شبكة أهداف تلحظ المجموعات التي تتعامل مع الرجل بالمباشر أو غير المباشر ويتدرج ليصل الى الدائرة الصغرى التي تبقى لصيقة بالرجل وهي تُعد على أصابع اليد.
قبل فترة ليست ببعيدة، وصلت الى مديرية المخابرات معلومات عبر المجموعة الصغيرة التي رُصدت لتعقب تحركاته، تفيد بأن "أبو سلة" موجود في منزله في حي الشراونة وهو المنزل الذي تتواجد فيه "الديوانية"، المكان الذي يعقد فيه علي منذر زعيتر المعروف بـ"أبو سلة" صفقاته ويدير عملياته في المناطق، كما تم رصد المجموعة اللصيقة به وهم ثلاثة مطلوبين بينهم المدعو "النينو".هنا اتُخذ القرار العسكري بأن تكون العملية نظيفة مئة في المئة بعد ورود معلومات موثوقة عن أن القوة الموجودة في الحي والملاصقة للمنزل قادرة أن تنهي المطلوب منها من دون خسائر، ولكن الاهم في هذه العملية كان عنصر المفاجأة القادر وفق التكتيك العسكري على ارباك الخصم ومنعه من القيام بأي ردة فعل عسكرية، وكانت هذه المرة الأولى التي يصل بها الجيش عبر عناصره الى هذه المسافة القريبة لمنزل المطلوب، اذ جرت العادة أن يتم اطلاق النار على دورية الجيش عند مدخل حي الشراونة من قبل المجموعات المسلحة التابعة لزعيتر.
وما دفع القيمين على العملية الى اتخاذ القرار هو السرية الكبيرة التي أُحيطت بها حيث أن عدد الذين كانوا يعلمون بمجرياتها هم قلة قليلة لا تتخطى أصابع اليد وليسوا من القيادات "باستثناء قائد الجيش"، فالاجراءات الميدانية كانت تتطلب هذا التكتم.
ووفق المصدر فإن سرعة الاقتحام لم تمنع المجموعة المسلحة المتواجدة مع أبو سلة من الرد وبالرصاص الحي على القوة المداهمة، فسقط شهيد للجيش وأصيب عدد آخر من العناصر، في حين عمل أقرباء المطلوب والنسوة الذين كانوا متواجدين في المنزل على إبطاء التحرك العسكري والسماح لـ "أبو سلة" الذي أصيب أثناء العملية بالفرار.
عنصر آخر ساهم بفرار "أبو سلة" وهو العامل الاجتماعي وهو مكون من بعض العشائر والاهالي الذين يتواصل معهم الرجل ويسخى عليهم بالمال ليكونوا درعا حاميا له، وهم من ساعده على الهروب نحو المنطقة المحاذية لحي الشراونة وتحديدا الى منطقة بيت جعفر القريبة الى الحدود مع سورية وهي المنطقة المحاذية لمحافظة الشمال، وهناك قُدمت له المساعدة الطبية من قبل أحد الاشخاص الذي تم توقيفه لاحقا من قبل الجيش صحيح أن "أبو سلة" تمكن من الفرار، الا أن الجيش لا يزال مصرا على تعقب تحركاته وتنفيذ مداهمات واسعة في المنطقة وفق ما يؤكد المصدر الأمني الذي أشار الى أن الجيش تمكن من مداهمة مصانع للمخدرات وأخرى يتواجد فيها اسلحة، كما أن المجموعات العسكرية لا تزال تُلاحق المطلوبين.
وعمل الجيش في خلال العملية على هدم ثلاث "ربعات" والربعة هي صالة لصيقة بالمنزل يتم تعاطي المخدرات في داخلها وتوزيع المهام بين التجار الذين يروجون لمختلف أنواع الحبوب المخدرة بما فيها مادة "السالفيا" المهلوسة، والتي تنتشر بشكل كبير في لبنان خلال السنوات الماضية.
الجيش الذي وجه رسالة الى هؤلاء التجار بهدم "مصدر رزقهم المسموم" يتحصن ببيئة حاضنة له غالبيتها من أهل البقاع وجزء كبير من العشائر الذين يقدمون للمؤسسة العسكرية خيرة أبنائهم ليدافعوا ببزتهم العسكرية عن لبنان.
الحرب على المخدرات تتخطى الحدود اللبنانية ومن يراقب بشكل دائم وسائل التواصل الاجتماعي ويلاحق تطبيقاتها يرصد تواصلا مباشرا لأخطر المطلوبين مع شبان سعوديين وخليجيين وتشير الاستقصاءات أن معظم عمليات التهريب تنطلق من هذه التطبيقات حيث يتم التعرف على هؤلاء عبر وسطاء قبل أن تستكمل العملية بتهريب هذه المواد عبر الحدود الى الخارج وبمساعدة جهات حزبية معروفة وتمسك بعدد من المعابر غير الشرعية.