بعد الإضراب العام.. الأمن الغذائي في خطر وخسائر يومية!


 كتبت أسرار شبارو في "الحرة":

بدأت انعكاسات إضراب الإدارة العامة في لبنان تظهر على مختلف القطاعات، مع التوقف عن إنجاز معاملات المواطنين والتجار، لتتوالى الصرخات التي وصلت إلى حد التحذير بخطورة الاستمرار بهذا القرار على الأمن الغذائي للبلد. 

في الثالث عشر من الشهر الجاري أغلقت الدوائر الرسمية اللبنانية أبوابها مع إعلان موظفيها إضراباً مفتوحاً إلى حين تحقيق مطالبهم وعلى رأسها تصحيح أجورهم وبدلات النقل والتقديمات الصحية والتعليمية. لم يمر على الإضراب أيام حتى حذّرت لجنة الأمن الغذائي في الهيئات الاقتصادية اللبنانية برئاسة الوزير السابق محمد شقير من تداعياته السلبية على الأمن الغذائي "نتيجة توقف إخراج مئات المستوعبات الملأى بالمواد الغذائية والمواد الأولية المستوردة لصالح المصانع الغذائية في لبنان، والمكدسة في باحات مرفأ بيروت نتيجة عدم إنجاز معاملاتها في الوزرات المعنية". 

قبل توقف إنجاز معاملات إدخال المواد الغذائية إلى لبنان، تصدر الأمن الغذائي اهتمامات اللبنانيين مع بدء الانهيار الاقتصادي قبل ثلاث سنوات، ليرفع الغزو الروسي لأوكرانيا من منسوب مخاوفهم، كونه ضرب سلسلة التوريد في وقت يتكّل فيه بلدهم بشكل كبير على قمح ومحروقات وزيوت أوكرانيا طالبت لجنة الأمن الغذائي المسؤولين في بيان "اتخاذ إجراءات استثنائية لإخراج المستوعبات وتسهيل إخراج مستوعبات مماثلة عند وصولها إلى مرفأ بيروت، لضمان استمرار تدفق المواد الغذائية الى السوق اللبنانية والمواد الأولية إلى المصانع الغذائية اللذين يشكلان حاجة ملحة لا يمكن تأخيرها تحت أي سبب كان"، حيث اقترحت "إخراج البضائع بتعهد الى حين التوصل الى حلول في ما خص إضراب الموظفين". 

وشددت على أن "هذا الموضوع لا يقبل المماطلة والتسويف، فالمطلوب إجراءات فورية اليوم قبل الغد منعاً من الوقوع في المحظور وتعريض أمن اللبنانيين الغذائي لأي مخاطر". 

خسائر يومية 

أحد أسباب إضراب موظفي الإدارة العامة فقدان أجورهم لقيمتها نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، حيث أصبحت تتراوح بين 1.5 دولار و3 دولارات يومياً، في ظل أزمة يمر بها وطنهم صنفها البنك الدولي ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر، حيث تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية لمستويات غير مسبوقة، في وقت يعجز فيه المودعون عن سحب أموالهم من المصارف بسبب قيود ناتجة عن شح السيولة. 

منذ ما يزيد عن العام بدأ موظفو الإدارة العامة إضراباً تحذيرياً، حتى وصل الأمر إلى العمل يوماً واحداً في الأسبوع، وبعد مماطلة السلطات اللبنانية في تحقيق مطالبهم لجأوا إلى الإضراب العام. يحول إضراب موظفي الإدارة العامة كما يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي دون إنجاز معاملات البضائع المكدسة في مرفأ بيروت ما يكبّد التجار مصاريف إضافية عبارة عن بدل رسوم أرضيات يومي للكونتينرات، تتراوح ما بين 50 إلى 200 دولار، عدا عن أن بعض البضائع معرضة للتلف". 

بحصلي أكد في حديث لموقع "الحرة" أن "بعض الموظفين حضروا يوم الاثنين الماضي وقاموا بتسيير أمور الناس قليلاً، لكن إلى الاثنين القادم لن يتم توقيع أي معاملة، وكل يوم إضراب يعني كلفة إضافية على التجار". 

وفيما إن كان ذلك سينعكس على أسعار المواد الغذائية أجاب "إذا اقتصر الأمر على أيام قليلة ممكن للتجار تحمل ذلك، لكن على المدى الطويل بالتأكيد سترتفع الأسعار، مع الإشارة إلى أنه إضافة إلى تكدس البضائع واحتمال تلف بعضها، فإن البواخر القادمة قد لا تتمكن من تفريغ حمولتها في مرفأ بيروت وإذا قامت بذلك في مكان آخر سيتحمل التجار كلفة نقلها"، وعلى الرغم من التحذيرات التي تم إطلاقها إلا أنه كما قال "لم نتلق إلى الآن أي طرح إيجابي من قبل المسؤولين" تتراكم الأزمات في لبنان، ففي الوقت الذي ترتفع فيه صرخات النقابات والتجار من كل حدب وصوب، يقف اللبنانيون في طوابير أمام الأفران للحصول على ربطة خبز، بعد توقف عدد منها عن العمل بسبب نفاذ مخزونها من الطحين، حيث شرح نقيب أصحاب الأفران في طرابلس والشمال طارق المير أن "خمس مطاحن كبرى من أصل 11 أغلقت أبوابها نتيجة نفاد القمح المدعوم كون حاكم مصرف لبنان لم يوقع على الفواتير". 

وتطرق المير إلى التأثير الكبير لإضراب موظفي الإدارة العامة على معاملات التجار، قائلاً لموقع "الحرة" "من يريد استيراد الطحين من تركيا وبلدان الجوار، لا يمكنه ذلك، نحن في مأزق كبير يحتاج إلى تدخل سريع". وبسبب الإضراب رفعت نقابة تجار ومستوردي المشروبات الروحية برئاسة ميشال أبي رميا الصوت، مشيرة إلى الكلف الباهظة الناتجة عن التأخير في إنجاز المعاملات. 

ولفتت النقابة إلى أن "الشركات المستوردة تتحمل رسوماً ومصاريف باهظة ناتجة عن تسديد كلفة الشحن إلى الشركات الأجنبية بالعملة الصعبة النقدية وكذلك رسوم أرضيات المرفأ التي أصبحت منذ بداية الشهر الجاري تدفع بالعملة الأميركية النقدية أيضاً، ويؤدي ذلك إلى نتيجتين أحلاهما مر: إما تكبيد الشركات خسائر فادحة نتيجة عدم إمكانية رفع الأسعار بالتوازي مع التضخم المتسارع، وإما تحميل المستهلك هذه الكلفة". 

الإضراب المفتوح  جعل البضائع والمستوعبات كما جاء في البيان "تتكدس على المرفأ دون إمكانية إنجاز التأشيرات الخاصة من العديد من الوزارات ومنها وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الصحة العامة ودون إمكانية اجراء معاملات التحليل للبضائع أو الكشف عليها. ورغم أن هذا التأخير خارج عن إدارة الشركات المستوردة ولا يد لها فيه، فإن الإدارة الرسمية وشركات الشحن غير مستعدة لتحمل أي مبلغ من الخسائر أو بحسم جزء من الرسوم المتوجبة التي يتحملها المواطن المستهلك أو الشركات كخسائر في قيودها". 

وطلبت النقابة من "وزارة الاقتصاد الوطني ومن غدارة المرفأ ومن الجمارك اللبنانية استثناء معاملات استيراد المشروبات الروحية من أي قيد وإيجاد آلية لانجاز هذه المعاملات لإخراج المستوعبات والبضائع وإدخالها السوق المحلي منعا لهدر المال والخسائر التجارية، ولتأمين البضائع للأسواق اللبنانية في ظل موسم سياحي واعد لا يمكن أن يبدأ في نقص للبضائع الأساسية المطلوبة لخدمة السياحة الفاعلة". 

حلول "ترقيعية" 

بعد إعلان موظفي الادارة العامة إضرابهم المفتوح أكد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تفهمه لصرختهم مشدداً على أن "حقهم مقدس والحكومة تسعى قدر الإمكانات المتاحة لتوفير مستلزمات الصمود في هذه المرحلة الصعبة"، داعياً في الوقت ذاته "على ضرورة استمرار عمل إدارات الدولة والمؤسسات العامة وإنتاجيتها لتسيير شؤون الموظفين وتأمين الإيرادات التي تحتاجها الدولة". 

انعكس الإضراب بشكل كبير على قطاع الزراعة في لبنان، ومع ذلك شدد وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن خلال اتصال مع موقع "الحرة" على أنه يعقد اجتماعات مع المعنيين و"يجري تسيير المرفق العام بالحد الأدنى من الموظفين". 

مع بدء الإضراب تفاجأ المزارعون كما يقول رئيس "تجمع مزارعي وفلاحي البقاع" إبراهيم ترشيشي برفض موظفي وزارة الزراعة إعطاء شهادات منشأ التي يتم بموجبها التصدير إضافة إلى رفضهم التوقيع على البيانات التي تقدم إلى المرافق العامة أي  المرفأ والمطار ومعبري المصنع والعبودية. 

وإذ عبّر ترشيشي عن تعاطفه وتفهمه لما يعانيه موظفو الادارة العامة، رفض أن تعرقل معاملات التصدير وأن يتم التهديد بطول أمد الإضراب،  مشدداً في حديث لموقع "الحرة" على أنه "لا يوجد بلد في العالم تتوقف فيه عمليات التصدير بسبب اضراب موظف اختار هذه الوظيفة وتسيير أمور المواطنين، مع العلم أننا لا نطلب اخراج قيد حيث بالامكان تأخير تسليمه، بل الأمر يتعلق بمزروعات تحتاج متابعة يومية وإلا سيتكبد المزارع خسائر كبيرة". 

علت صرخة المزارعين ليتم طمأنتهم من بعض المسؤولين بأنهم لن يواجهوا ما واجهوه الأسبوع الماضي، بحسب ترشيشي الذي أكد "نحن مستمرون في عملنا وإذا لم يتم التجاوب معنا سنلجأ إلى التصعيد الذي لا نرغب فيه، وفي ذات الوقت نشكر الموظفين الذين حضروا وقاموا بواجبهم على أمل أن يحصلوا على حقوقهم بوسيلة أخرى". 

لإنجاز المعاملات هناك حاجة إلى ثمانية موظفين يومياً يتوزعون كما يقول ترشيشي بين غرف التجارة إضافة إلى المرافئ العامة "وقد أخذنا وعداً بأنه سيتم تأمينهم". 

في شهر مايو الماضي أثار تقرير صدر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة فزع اللبنانيين، بعدما وضع لبنان ضمن النقاط الساخنة التي لا تزال تشكل بؤراً ساخنة للجوع، كما سبق أن أشار تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في لبنان بصورة إجمالية بنسبة 1000% منذ بدء الأزمة الاقتصادية، وبلغ التضخم نسبة 215% في شباط 2022. 

وفيما يتعلق بزارعة القمح شكا رئيس "تجمع مزارعي وفلاحي البقاع" بأن المزارعين وصلوا لموسم الحصيد من دون معرفة لمن سيبعون انتاجهم في وقت تمنع الدولة تصديره، ويقول "نحن مع الدولة في هذا القرار ومع أن يأكل الشعب اللبناني القمح اللبناني لكن أن يبقى المزارع في حيرة لا يعلم لمن يسلم قمحه فهذا أمر مرفوض، مع العلم أن المزارع مستعد للتضحية مع المستهلك اللبناني ببيع القمح بسعر أرخص للدولة التي لم تتجاوب معه حتى اللحظة". 

وصل الحال الصعب الذي يعيشه المزارع اللبناني إلى حد لا يمكن تحمله فهو يدفع الكلفة نقداً كما يقول ترشيشي "سواء بالعملة الوطنية أو بالدولار، في وقت أمواله محجوزة في المصارف، لا بل يكفي غلاء المحروقات حيث وصل سعر صفيحة المازوت ما بين 26 الى 27 دولار، في وقت اعتماد المزارع  كبير على هذه المادة سواء تعلق الأمر بالنقل أو الفلاحة أو الري وغيرها". 

من جانبه أكد رئيس "نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة" في لبنان نعيم خليل أن "وزير الزراعة حلّ الأمر مع الموظفين من خلال (المونة) عليهم" لكن كما يقول "اذا بقي الأمر على حاله سيتأثر القطاع الزراعي بشكل كبير". 

وأشار خليل في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "اجتمعنا مع الوزير واطلعناه أن القطاع الزراعي لا يحتمل تأخر الاجراءات، وإلى الآن الأضرار بسيطة حيث طالت نحو 20 بالمئة من شحنات مشمش وكرز متواجدة على الحدود". 

يصدر لبنان الفاكهة والخضار إلى مصر والعراق والأردن والامارات والكويت، أما الاستيراد فيقتصر على فترات معينة لاسيما في الخريف والشتاء، وتمنى خليل أن "تنتهي الأزمة على خير وأن تكون لمصلحة كل الموظفين". 

وقبل يومين ناشد الأمين العام للعلاقات العامة لاتحاد النقابات الزراعية في لبنان علي شومان، في بيان "دول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية بفتح أسواقها أمام المنتجات الزراعية اللبنانية، بعد أن بات القطاع الزراعي في لبنان مهدداً ووضعه لامس شفير الهاوية نتيجة استفحال الازمات التي يواجهها، لاسيما بسبب تفلت سعر الدولار والغلاء الفاحش لأسعار المحروقات، وبعد أن باتت كلفة اليد العاملة والمصاريف العالية التي يتكبدها المزارع اللبناني، تحتم عليه المزيد من الخسائر، مقارنة بنسبة الأرباح المتدنية التي لا تغطي هذه التكاليف". 

إصرار على القرار 

استغربت رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر ما يتم تداوله من أن الأمن الغذائي بخطر نتيجة اضراب موظفي الادارة العامة قائلة "الآن شعروا أنه بخطر، في حين أن موظفي الادارة العامة ومعظم القطاع العام يعانون منذ ثلاثة سنوات لعدم قدرتهم على تأمين الطعام والشراب وأبسط مقومات الحياة، من دون أن يشعر أحد أنهم مهددون بأمنهم الغذائي والصحي، فهل يدان موظف الادارة العامة لأنه يطالب بأمنه الغذائي الشخصي"؟ 

نصر اعتبرت في حديث مع موقع "الحرة" أن من يرفعون الصوت اليوم لعدم تسيير معاملاتهم لديهم كامل الحق، لكن في ذات الوقت تشدد على أن "حقهم ليس عندنا بل عند الدولة اللبنانية، فليتوجهوا إليها، أما نحن فقد اتخذنا هذا الاجراء القسري الخارج عن ارادتنا، كون لم يعد باستطاعتنا الاستمرار، لا بل نحن وعائلاتنا أصبحنا موجودين خارج دائرة الحياة". 

من جانبه اعتبر وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال مصطفى بيرم أن "الزيادات على الرواتب وبدل النقل التي تقر لا تحاكي معاناة الناس"، مشدداً على "وجوب التفريق بين القطاعين العام والخاص، اذ ان القطاع الخاص أكثر مرونة وهو غير مرتبط بواردات الدولة". 

وفي حديث اذاعي أشار إلى أن "الأزمة كانت وصلت الى حلحلة من خلال الزيادات التي أقرتها الحكومة، الا انها كانت مرتبطة بالدولار الجمركي الذي لم يتجرأ أحد على اقراره قبل الانتخابات"، مضيفاً ان "الحل في ظل عدم إقرار الموازنة يكمن بإعطاء المساعدات غير المشروطة وانه تقدم بهذا الاقتراح كمخرج في اجتماع السرايا". 

وكشف عن أنه "حاول التواصل مع رابطة الموظفين لتعليق الاضراب وتبني هذا المخرج، الا انه في انتظار رد منها"، آملا "تعليق الاضراب". 

ويوم الثلاثاء تقدم النائب علي حسن خليل باقتراح قانون لتعديل بدل النقل للعاملين في القطاع العام يربط بين متوسط سعر صفيحة البنزين وعدد محدد من الليترات يومياً، هذا الاقتراح اعتبره الاسمر أنه "يشكل قفزة نوعية في تحديد بدل النقل ويعطي كل العاملين في القطاع العام جزءا من حقهم في بدل عادل يمكّنهم من الحضور إلى أعمالهم وممارستهم لواجباتهم الوظيفية". 

وطالب الأسمر بأن "يأخذ النواب بهذا الاقتراح حتى يتحوّل إلى قانون نافذ يعالج جزءاً ولو يسيراً من معاناة موظفي القطاع العام بكل فئاتهم، وأن يُستتبع بتعديل الحد الأدنى للأجور في القطاع العام وإعطاء غلاء معيشة يتناسب مع التضخم الحاصل والذي أدّى الى تآكل رواتب الموظفين بنسبة 95 في المئة". 

وفيما إن كانت نصر تخشى من الضغط على الموظفين للعودة عن الاضراب أجابت "لا شك أن الضغوطات تمارس على الموظف بشكل دائم وبمختلف الوسائل سواء من خلال تشويه الوقائع أوالتصريحات المتناقضة وغيرها، لكن الموظف وصل إلى مرحلة يعي فيها مسؤولياته ووجعه، لذلك لا طريق أمامه ليسلكه سوى الاضراب، أما الدولة فبدلاً من اعطاء الحقوق تمارس الضغوط، ونحن لا يمكننا التراجع عن قرارنا". 

إرسال تعليق

أحدث أقدم
يرجى الدردشة مع فريقناسوف يرد المسؤول في غضون بضع دقائق
مرحبًا ، هل هناك أي شيء يمكننا مساعدتك به؟ ...
ابدأ الدردشة ...